للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنسانا [١] يردّني عَنْ ذَلكَ، حتّى كَانَ في بعض اللّيالي رأيتُ في المنام كأنّي قد دخلت إلى المسجد عند شيخنا أَبِي منصور، وهو قاعد في زاويته، وبجَنْبِه رجلٌ عَلَيْهِ ثيابُ بياضٍ، ورداء عَلَى عِمامته يشبه الثّياب الرّيفيَّة، دُرّيُّ اللّون، وعليه نورٌ وبَهاء، فسلّمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي لَهُ هيبةٌ، وأنّه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جلست التفتَ إليَّ الرجل، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشّيخ، عليك بمذهب هذا الشّيخ، عليك بمذهب هذا الشّيخ.

فانتبهت مرعوبا، وجسمي يرجف ويرعد، فقصصت ذَلكَ عَلَى والدتي، وبكّرت إلى الشّيخ لأقرأ عَلَيْهِ، فحكَيْتُ لَهُ ذَلكَ، وقصصت عَلَيْهِ الرؤيا، فقال لي: يا ولدي، ما مذهب الشّافعيّ الّذي هُوَ مذهبك إلّا حَسَن، ولا أقول لك.

اتْرُكْ مذهبك، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشْعريّ.

فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، فإنا أُشْهِدُك وأُشْهِد الجماعةَ أنّني منذ اليوم عَلَى مذهب أحمد بْن حنبل في الأُصُول والفُروع.

فقال لي: وفَّقك اللَّه.

ثمّ أخذت من ذَلكَ الوقت في سماع كُتُب أحمد بْن حنبل ومسائله، والتَّفَقُّه عَلَى مذهبه، وسماع مُسْنَدِه. وذلك في شهر رمضان من سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة.

قَالَ: وسمعتُ شيخنا عبد الوهّاب بْن سُكَيْنَة غير مرّة بقول: قلت لشيخنا ابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك «شرح ديوان المتنبّي» لأبي زكريّا، وكان يرويه عَنْهُ، فقال: إنّك دائما تقرأ عليَّ الحديث مَجّانًا. وهذا شِعْر، ونحن نحتاج إلى دفْع شيءٍ من الأجر عَلَيْهِ، لأنّه لَيْسَ من الأمور الدّينيَّة. فذكرت ذَلكَ لأبي، فأعطاني خمسة دنانير، فدفعتها إِلَيْهِ، وقرأت عَلَيْهِ الكتاب.

قلت: روى عنه: ابن عساكر [٢] ، وابن السمعاني، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وقال: سَمِعَ معنا كثيرا، وهو شافعيّ المذهب، أشْعَرِيّ المعتَقَد، ثمّ انتقل إلى مذهب أحمد في الأُصول والفُروع، ومات عليه. وكان هو وأبو منصور الجواليقيّ


[١] في الأصل: «وكأن إنسان» .
[٢] في مشيخته، ورقة ٢١٧ أ.