للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآن فِي معاقد أمرنا، مع أنّه ليس بصاحب ذاك، فإذْ أبيْتَ أن تجعلني مع عمرو، فاجْعَل الأحنفَ بْن قَيْس، فإنّه مُجَرَّبٌ من العرب، وهو، قِرْنٌ لعَمْرو، فقال عليّ أفعل، فأبت اليَمَانِيَةُ أيضًا. فلمّا غُلِبَ جعل أَبَا مُوسَى، فسمعتُ ابن عَبَّاس يقول: قلتُ لعلي يوم الحَكَمَيْن: لَا تُحَكّم أَبَا مُوسَى، فإنّ معه رجلًا حذر فرس فاره، فلزَّني إِلَى جنبه، فإنّه لَا يحلّ عُقْدَةً إلّا عقدتُها ولا يَعْقِدُ عُقْدَةً إلّا حَلَلْتُها. قَالَ: يا بْن عَبَّاس مَا أصنع: إنّما أُوتَى من أصحابي، قد ضعفْتُ بينهم وكلُّوا فِي الحرب، هَذَا الأشعث بْن قَيْس يقول: لَا يكون فيها مُضَرِيّان أبدًا حَتَّى يكون أحدهما يمانٍ، قَالَ: فَعَذَرْتُهُ وعرفت أنه مُضْطَهَدٌ، وأنّ أصحابه لَا نيَّة لهم [١] .

وقال أَبُو صالح السمّان: قال عليّ لأبي مُوسَى: أحْكُمْ ولو على حزّ عُنُقي. وقال غيره: حكّم معاويةُ عَمْرًا، وحكَّم عليّ أَبَا مُوسَى، على أنّ من ولَّيَاهُ الخلافة فهو الخليفة، ومن اتَّفقا على خلْعه خُلِعَ. وتواعدا أنْ يأتيا فِي رمضان، وأن يأتي مع كلّ واحدٍ جَمْعٌ من وجوه العرب [٢] .

فلمّا كان الموعد سار هَذَا من الشام، وسار هَذَا من العراق، إِلَى أن التقى الطّائفتان بدُومَة الجَنْدل وهي طَرَف الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق.

فعن عُمَر بْن الحكم قَالَ: قال ابن عَبَّاس لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: احْذَرْ عَمْرًا، فإنّما يريد أن يقدِّمك ويقول: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنّ منّي فتكلّم حتّى أتكلّم، وإنّما يريد أن يقدِّمك فِي الكلام لتخلع عليًّا. قَالَ:

فاجتمعا على إمرةٍ، فأدار عمرو أَبَا مُوسَى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو


[١] انظر تاريخ الطبري ٥/ ٥٢، ونهاية الأرب ٢٠/ ١٤٨، ١٤٩، والأخبار الطوال ١٩٣.
[٢] انظر تاريخ الطبري ٥/ ٥٤.