للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بِالشُّونِيزِيَّةِ. قَالَ لِي: تَدْفِنِّي تَحْتَ أَقْدَامِ مَشَايِخِنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ. وَلَمَّا احْتَضَرَ سَنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُشْتَهِرًا بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعُوفِيُّ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا سَيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [١] . فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَتَلَا هذه الآية: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ ٣٦: ٢٦- ٢٧ [٢] فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السّورة، وقال: الله الله الله، ثمّ توفي وهو جالس على السّجّادة [٣] .

وقال ابن الجوزيّ [٤] : حدّثني محمد بن الحسين التكريتيّ الصّوفيّ قال:

أسندته إليّ فمات وكان آخر كلمة قالها: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي من الْمُكْرَمِينَ ٣٦: ٢٦- ٢٧.

قرأت بخطّ الحافظ يُوسُف بْن أَحْمَد: أنشدنا الزَّيْنَبيّ أبو الفضل مُحَمَّد بْن الفَضَل بْن بركاهَويْه لنفسه وقد دخل على أَبِي الوقت فِي النّظاميَّة بأصبهان، وشاهد اجتماع العلماء والحُفّاظ فِي مجلسه عند الإمام صدْر الدِّين مُحَمَّد بْن عَبْد اللّطيف الخُجَنْديّ، والحافظ أبو مَسْعُود كُوتاه يقرأ عليه الصّحيح:

أتاكُمُ الشَّيْخ أبو الوقتِ ... بأحسن الأخبار عن ثَبْتِ

طوى إليكم علمه ناشِرًا ... مراحِل الأبرق والخبثِ

الحَقَ بالأشياخ أطفالكم ... وقد رمى الحاسد بالكتب


[١] أخرجه أبو داود في الجنائز، رقم ٣١١ باب في التلقين، وأحمد في المسند ٥/ ٢٣٣، والحاكم في المستدرك على الصحيحين ١/ ٣٥١، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
[٢] سورة يس، الآيتان ٢٦ و ٢٧.
[٣] وقال ابن شافع في تاريخه: كان شيخا صالحا، ألحق الصغار بالكبار، ورأى في رئاسة التحديث ما لم ير أحد من أبناء جنسه.
وقال ابن نقطة: وكان حاضر الذهن، مستقيم الرأي وسماعه بعد الستين وأربعمائة، وصحب شيخ الإسلام- يعني أبا إسماعيل- نيفا وعشرين سنة. (التقييد) .
[٤] في المنتظم ١٠/ ١٨٣.