للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا تَتَوَانَوْا فالبِدارُ غنيمةٌ ... وللمُدْلِجِ السّاري صَفَاءُ المناهِلِ [١]

قال عَبْد الواحد بْن عليّ المُرَاكُشيّ: أَخْبَرَني غير واحدٍ ممّن أرضى [٢] نقله، أنّ عَبْد المؤمن لمّا نزل مدينة سَلا، وهي على البحر المحيط، ينصبّ إليها نهر عظيم يصبُّ فِي البحر، عَبَر النَّهر، وضُرِبت له خيمة، وجعلت الجيوش تعبر قبيلة قبيلة، فخرَّ ساجدا، ثُمَّ رفع رأسه، وقد بلَّ الدَّمْعُ لحيَتَه، والتفَّ إليه الخواصّ وقال: أعرفُ ثلاثة وردوا هذه المدينة لا شيء لهم إلّا رغيفٌ واحدٌ، فراموا عبور هذا النّهر، فبذلوا الرّغيف لصاحب القارب على أن يُعدّي بهم، فقال: لا آخذه إلّا على اثنين خاصَّة. فقال له أحدهم، وكان شابّا، خُذ ثيابي، وأنا أعبر سباحة. ففعل ذلك. فكان كلّما أعيا من السّباحة دنا من القارب ووضع يده عليه ليستريح، فيضربه صاحبه بالمجذاف الَّذِي معه، فما عدّى إلّا بعد جَهْد.

قال: فما شكّ السّامعون أنّه هُوَ العابر سباحة، وأنّ الآخرين ابن تومرت، وعبد الواحد الشّرقيّ [٣] .

ثُمَّ نزل عَبْد المؤمن مَرّاكُش، وأقبل على البناء والغِراس [٤] ، وترتيب المملكة، وبسْط العدْل، وجعل ابنه عَبْد اللَّه الَّذِي على بجاية يشنّ الغارات على نواحي إفريقيَّة بعد القيروان، فحاصرها، وقطع أشجارها، وغَور مياهها، وبها يومئذٍ عَبْد اللَّه بْن خُرَاسَان نائب صاحبها لُوجار [٥] بْن الدّوقة الروميّ، لعنه اللَّه، وهو صاحب صَقَلّية. فَلَمّا طال على ابن خُرَاسَان الحصارُ، أجمع رأيه على مناجزة المَصَامدة، فخرج، فالتقوا، فانهزم المصامدة، وَقُتِلَ منهم خلْق، وردّ ابن خُرَاسَان إلى البلد، فكتب عَبْد الله بن عبد المؤمن إلى أبيه


[١] الأبيات في المعجب ٣٢٩، ٣٣٠ وفيه زيادة ثلاثة أبيات أخرى قبل البيت الأخير.
[٢] في الأصل: «أرضا» .
[٣] المعجب ٣٣١.
[٤] وذكر القزويني إنه كان له بها بستان يعرف باسمه، طوله ثلاثة فراسخ، وكان ماؤه من الآبار فجلب إليها ماء من أعماق تسير تسقي بساتين لها. (آثار البلاد ١١٢) .
[٥] في الكامل ١١/ ١٨٥ «رجّار» .