للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودفعتها إلى الرَّسُول، وكان صَبيًّا، فخرج فِي الحال، فاجتاز بباب العامَّة والرُّقعة بيده، والخطّ رطْب، فأخذ تُرابًا ينشّفه، فصادف ابن الحلوانيّ صاحب الخبر فقال: يا صبيّ ما هذه الرُّقْعة؟ قال: كَتَبَها ابن السَّقْطيّ إلى سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ.

فكتب نُسختها وعرضها على الإمام المستظهر باللَّه، فَلَمّا كان من الغد إذا رُقْعة ظهير الدِّين صاحب المخزن جاءتني إلى داري، يذكر فيها: إن رأى التَّجشُّم إلى داره الّتي أَنَا ساكُنها لألقي إليه ما رُسِم فقل إن شاء اللَّه. فركبتُ إليه فِي الحال، فحين دخلت قام متمثّلا وقال للجماعة: الخلْوة. فانصرفوا، فقال: أمير المؤمنين يهدي إليك السّلام ويقول: قد رغِبْنا فِي كاتبٍ مُفْلس.

فقلت فِي الحال: التّصريح بطلب الرُّتّب ما لا يقتضيه الأدب. فقُلِّدت ولي يومئذٍ خمسٌ وثلاثون سنة.

وأنبأني أَحْمَد، عن ابن طارق: حَدَّثَني سديد الدّولة أنّ الحريريّ صاحب «المقامات» كتب إليه رُقْعة، فكتب إليه فِي كتابٍ بديها:

أهلا بمن أهدى إليَّ صحيفة ... صافَحْتُها بالرّوح لا بالرّاحِ

وتَبَلَّجَتْ فتأرَّجَتْ نَفَحَاتها ... كالمَسْك شِيبَ فسيحُهُ بالرّاح

فكتب إليَّ جواب هذه: لقد صَدَقَتْ رُواةُ الأخبار أنْ معدن الكتابة الأنبار [١] .

وقد ذكر وفاته ابن الأثير فِي «الكامل» فِي سنة خمسٍ وثلاثين، والنّسْخة سقيمة فلعلّه بدل «تُوُفّي» : «عُزِل» ، أو نحوه [٢] .


[ () ] ولهبة الله بن الفضل بن عبد العزيز المتّوثي قصيدة في مدح سديد الدولة ابن الأنباري، ستأتي في ترجمته القريبة برقم (٢٩٦) .
[١] سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٣٥١.
[٢] لقد ذكر ابن الأثير وفاته في التاريخ الصحيح سنة ٥٥٨ هـ. وقال إنه خدم من سنة ثلاثين وخمسمائة إلى الآن ديوان الخلافة، وعاش حتى قارب تسعين سنة. (الكامل ١١/ ٢٩٧) .