قرأت بخطّ أبي الطّاهر بْن الأنْماطيّ: سَمِعت شيخنا أَبَا الْحَسَن شجاعا المدلجيّ، وكان من خيار عَبّاد اللَّه يقول: كان شيخنا ابن الحُطَيْئة شديدا فِي دين اللَّه، فظّا غليظا على أعداء اللَّه. لقد كان يحضر مجلسه داعي الدُّعاة مع عِظم سلطنته ونفوذ أمره، فلا يحتشمه ولا يُكرمه، ويقول: أحمق النّاس فِي مسألة كذا الرّوافض، خالفوا الكتاب والسُّنَّة وكفروا باللَّه.
وكنت عنده يَوْمًا فِي مسجده بشُرَف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريّين، أظنّ ابن عَبَّاس، فاستسقى فِي مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضَّة، فَلَمّا رآه ابن الحُطَيْئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخة ملأت المسجد وقال: وا حرّاها على كبِدي، أتَشربُ فِي مجلس يُقْرأ فِيه حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنية الفضَّة؟ لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، ثُمَّ طلب كوزا، فجاء بكوز قد تثلَّم فشرب، واستحيا من الشَّيْخ، فرأيته والله كَمَا قال اللَّه تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ١٤: ١٧ [١] .
أتى رَجُل إلى شيخنا ابن الحُطيْئة بِمِئْزَر، وحَلَف بالطّلاق ثلاثا لا بدّ أن يقتله. فوبّخه على ذلك وقال: عَلِّقْه على ذاك الوَتَد. قال لنا شجاع وغيره:
فلم يزل على الوتد حَتَّى أكله العتَّ وتساقط.
وكان ينسخ بالأجرة، ولا يقبل لأحدٍ قَطّ هديّة. وكان له على الجزية فِي الشهر ثلاثة دنانير. ولقد عرض عليه غيرُ واحدٍ من الأمراء أن يزيد جامكِيَّته فما قَبِل.
وكان له من الموقع فِي قلوبهم، مع كَثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحدٍ سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر فقال: لا والله لا أقضي لهم.