للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خمسين، فلم يعرفوا المرض، فأمره أن يأكل خُبْز شعير مع باذنْجان مَشْويّ، ففعل ذلك ثلاثة أيّام، فبرئ، فسأله أصحابه عن العلّة، فقال: إنّ دمه قد رقّ، ومَسَامَّهُ تفتَّحت، وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدّم وتكثيف المسامّ.

قال: ومن مُرُوءته أنّ ظهر دارهِ كان يلي [المدرسة ال] [١] نظاميّة، فإذا مرض فقيه نقله إليه، وقام فِي مرضه عليه، فإذا أبلّ وهْب له دينارين وصرفه [٢] .

وقال الموفَّق بْن أبي أُصَيْبعة [٣] : كان الخليفة قد فوَّض إليه رئاسة الطّبّ، فَلَمّا اجتمع الأطبّاء ليمتحنهم، كان فيه شيخٌ له هيئةٌ ووَقَارٌ، فأكرمه، وكان للشّيخ ذريَّة، وكان يعالج من غير عِلْم. فَلَمّا انتهى الأمر إليه قال له ابن التّلميذ: لِمَ لا [تلزم] [٤] الجماعة فِي التَّخْت لتعلم ما عندهم فِي هذه الصَّنْعة؟

فقال: وهل تكلّموا بشيء إلّا وأنا أعلمه، وسبق لي فَهْمُ أضعافه.

قال: فَعَلَى مَن قرأتم؟

قال: يا سيّدنا إذا صار الْإِنْسَان فِي هذا السّنّ ما يليق به إلّا أن يُسأل:

كم لكم من التّلاميذ.

قال: فأخبِرْني ما قرأتَ من الكُتُب.

قال: سبحان اللَّه، صرنا إلى حدّ الصّبْيان. أتسألُ مثلي هذا؟ أَنَا يقال لي: ما صنفتم فِي الطّبّ، وكم عندكم من الكُتُب والمقالات. ولا بدّ أن أُعرِّفَك بنفسي.

ثُمَّ دنا من أُذُن أمين الدّولة وقال له سرّا: اعلم أنّني قد شخت وأنا


[١] في الأصل: «كان يلي نظامية» ، والمستدرك من وفيات الأعيان.
[٢] وفيات الأعيان ٦/ ٧٧.
[٣] في عيون الأنباء.
[٤] في الأصل بياض.