للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن الْجَوْزِيّ [١] : وكان يبالغ فِي تحصيل التّعظيم للدّولة، قامعا للمخالفين بأنواع الْحِيَلِ. حسم أمور السّلاطين السّلْجُوقيَّة [٢] ، وكان شِحْنةٌ، قد أذاه فِي صِباه [٣] ، فَلَمّا وَزَرَ أحضره وأكرمه. وكان يتحدّث بِنَعم اللَّه، ويذكر فِي منصبه شدَّة فقره القديم.

ثمّ قال: نزلت يَوْمًا إلى دِجْلة وليس معي رغيف أعبر به، وكان يُكثر مجالسةَ العلماء والفُقراء، وكان يبذل لهم الأموال. وكانت السَّنَةُ تدور وعليه ديون، وقال: ما وَجَبتْ عليَّ زكاةٌ قَطّ [٤] .

وكان إذا استفاد شيئا قال: أفادَنِيه فلان. أفَدْتُه معنى حديث [٥] ، فكان يقول: أفادِنيه ابن الْجَوْزِيّ. فكنت أسْتحِي من الجماعة. وجعل لي مجلسا فِي داره كلّ جمعة، وأذن للعوامّ فِي الحضور. وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرا، فأعجب وقال لزوجته: أريد أن أزوّجه بابنتي. فغضبت الأمّ من ذلك.

وكان يقرأ عنده الحديثَ كلّ يومٍ بعد العصر. فحضر فقيهٌ مالكيٌّ، فذُكِرَتْ مسألةٌ، فخالف فيها الجميع وأصرّ، فقال الوزير: أَحِمَارٌ أنت! أما ترى الكلَّ يُخالفونَك!؟ فَلَمّا كان فِي اليوم الثّاني قال للجماعة: إنّه جرى منّي بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق، فليَقُلْ لي كَمَا قلتُ له، فما أَنَا إلّا كأحدكم.

فضجّ المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه وقال: أَنَا أَوْلَى بالاعتذار. وجعل يقول: القِصاص القِصاص، فلم يزل حَتَّى قال يُوسُف الدّمشقيّ: إذْ أبى [٦] القِصاص فالفِداء، فقال الوزير: له حُكْمُهُ. فقال الفقيه: نِعَمُكَ عليَّ كثيرةٌ، فأيُّ حُكْمٍ بقي لي؟

قال: لا بدّ.


[١] في المنتظم ١٠/ ٢١٤، ٢١٥ (١٨/ ١٦٧، ١٦٨) .
[٢] ذكر ابن الجوزي بعدها حكاية.
[٣] ذكر ابن الجوزي حكايته في المنتظم. وانظر: الفخري ٣١٢ و ٣١٣.
[٤] وانظر: الفخري ٣١٢.
[٥] «من فاته حزبه بالليل فصلّاه قبل الزوال كان كأنّه صلاه بالليل» . الحديث.
[٦] في المنتظم ١٠/ ٢١٥ (١٨/ ١٦٩) «إذا أبى» .