للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمِر، وملكهم قد عُمِر، وجيوشهم لا تطاق، وأمرهم لا يُشاقّ، ونحن فتملّكنا ما يجاورنا منه بلادا تزيد مسافتها عَلَى شهر، وسيّرنا إِلَيْهِ عسكرا بعد عسكر، فرجع بنصر بعد نصر، ومن ذَلِكَ بَرَقة، قَفْصَة، قسطيلية، تَوْزَرَ، كلّ هذه تُقام فيها الخطبة لأمير المؤمنين، ولا عهْدَ لإقامتها من دهر [١] .

وفي هذه السّنة كَانَ عندنا وفدٌ، نحو سبعين [راكبا] [٢] ، كلّهم يطلب السّلطان بلده تقليدا، ويرجو منَّا وعدا، ويخاف وعيدا. وسيّرنا الخِلَع والمناشير والأَلْوية. فأمّا الأعداء الّذين يقاتلوننا، فمنهم صاحب قُسطنطينية، وهو الطّاغية الأكبر، والجالوت الأكفر، جَرَت لنا معه غَزَوات بحريَّة، ولم نخرج من مصر إلى [٣] أنْ وصَلَتْنا رسالةٌ فِي جُمعةٍ واحدةٍ نوبتين بكتابين، يُظْهر خفْضَ الْجَنَاح والانتقالَ من مُعاداةٍ إلى مهاداة، ومن مُفَاضَحَةٍ إلى مُنَاصَحَة، حتّى أندر بصاحب صَقَلّية وأساطيله، وهو من الأعداء، فكان حين علم بأنّ صاحب الشّام وصاحب قسطنطينيَّة قد اجتمعا فِي نَوْبة دِمياط فكُسِرا، أراد أن يظهر قوّته المستقلة، فعمّر أسطولا، استوعب فِيهِ ماله وزمانه، فله الآن خمسُ سنين يُكْثِر عُدّته، وينتخب عدّته، إلى أن وصل منها فِي السّنة الخالية إلى الإسكندريّة أمْرُ رائع، وخَطْب هائل، ما أثقل ظهْرَ البحر مثلُ حمْله، ولا ملأ صدرهُ مثلُ خيله ورَجُله، وما هُوَ إلّا إقليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قطّ بنظيره، لولا أنّ اللَّه خذله [٤] .

ثمّ عدَّد أشياء، إلى أن قَالَ: والمُراد الآن تقليدٌ جامعٌ بمصر، واليمن، والمغرب، والشّام، وكلّ ما تشتمل عَلَيْهِ الولاية النّوريَّة، وكلّ ما يفتحه اللَّه للدّولة العبّاسيَّة بسيوفنا، ولمن يقيم من أخٍ وولدٍ من بعدنا، تقليدا يضمن للنّعمة تخليدا، وللدعوة تجديدا، مَعَ ما تنعم عَلَيْهِ من السِّمات الّتي فيها المُلْك، والفرنج فهم يعرفون منّا خصما لا يملّ، حتّى يملّوا، وقَرْنًا لا يزال


[١] الروضتين ج ١ ق ٢/ ٦٢٠ بتصرّف.
[٢] في الأصل بياض، والمستدرك من: الروضتين ج ١ ق ٢/ ٦٢١.
[٣] في الأصل: «إلا» .
[٤] الروضتين ج ١ ق ٢/ ٦٢٠، ٦٢١.