للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابن السَّمعانيّ: أَبُو مُحَمَّد عَبْد القادر فخر أهل جِيلان، إمام الحنابلة وشيخهم فِي عصره، فقيهٌ صالح ديّن، كثير الذِّكْر دائم الفِكر سريع الدّمعة. تفقَّه عَلَى المُخَرِّمي، وصحِبَ الشَّيْخ حمّاد الدّبّاس.

قَالَ: وكان يسكن باب الأزج في المدرسة الّتي بنو لَهُ. مضيت يوما لأودّع رفيقا لي، فلمّا انصرفنا قَالَ لي بعض من كَانَ معي: ترغب فِي زيارة عَبْد القادر والتَّبرُّك بِهِ؟ فمضينا ودخلت مدرسته، وكانت بكرة، فخرج وقعد بين أصحابه، وختموا القرآن، فلمّا فرغنا أردتُ أن أقوم، فأجلسني وقال:

حتّى نفرغ من الدَّرْس. فألقى درسا عَلَى أصحابه، ما فهمت منه شيئا.

وأعجب من هذا أنّ أصحابه قاموا وأعادوا ما درّس لهم، فلعلّهم فهموا لإلْفهم بكلامه وعبارته [١] .

وقال أَبُو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ [٢] : وكان أَبُو سعد المُخَرَّميّ قد بنى [٣] مدرسة لطيفة بباب الأَزَج، ففوِّضت إلى عَبْد القادر، فتكلّم عَلَى النّاس بلسان الوعظ، وظهر لَهُ صِيتٌ بالزُّهْد. وكان لَهُ سَمْتٌ وصَمْت، وضاقت المدرسة بالنّاس.

وكان يجلس عند سور بغداد، مستِندًا إلى الرباط، ويتوب عنده فِي المجلس خلقٌ كثير، فعُمِّرَت المدرسةُ ووُسِّعَت. وتعصّب فِي ذَلِكَ العوامّ.

وأقام بها يُدرّس ويعظ إلى أن تُوُفّي.

قلت: لم تَسَعْ مَرَارةُ ابن الجوزيّ بأن يترجمه بأكثر من هذا، لما فِي قلبه لَهُ من البُغْض، نعوذ باللَّه من الهوى [٤] .


[ () ] وفيه أيضا: «رميلة مصر» .
ورواه أيضا في (المعجم الأوسط برقم ٤٩٤) .
وذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد ١٠/ ٢١٨، ٢١٩) ونسبه إلى البزّار أيضا ١/ ٣٠٣ وقال:
إسناده حسن.
[١] الذيل على طبقات الحنابلة ١/ ٢٩١.
[٢] في المنتظم ١٠/ ٢١٩ (١٨/ ١٧٣) .
[٣] في الأصل: «بنا» .
[٤] ولقد انتقد اليافعيّ بدوره المؤلّف الذهبيّ- رحمه الله- فقال: «وقوله انتهى إليه التقدّم في