للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وديعتك ثمن هذا الخُبز والشِّواء، فكُلْ طيّبا، فإنّما هُوَ لك، وأنا ضيفك الآن.

فقلت: وما ذاك؟

قَالَ: أمّك وجّهت معي ثمانية دنانير، والله ما خُنْتُكَ فيها إلى اليوم.

فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إِلَيْهِ شيئا منها [١] .

كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ قَالَ: قَالَ لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت فِي الصّحراء أكرّر الفقه وأنا فِي مشقَّةٍ من الفقر، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترضْ ما تستعين بِهِ عَلَى طلب الفِقْه. فقلت: كيف أقترض وأنا فقير، ولا وفاء لي؟

قَالَ: اقترض وعلينا الوفاء.

قَالَ: فجئت إلى بقّالٍ فقلت لَهُ: تعاملني بشرْط إذا سهّل اللَّه لي شيئا أعطيك، وإنْ متّ تجعلني فِي حِلّ، تعطيني كلَّ يومٍ رغيفا ورشادا.

قَالَ: فبكى وقال: يا سيّدي أَنَا بحُكْمك.

فأخذت منه مدَّةً، فضاق صدري. فأظنّ أَنَّهُ قَالَ: فقيل لي: امضِ إلى موضع كذا، فأيّ شيء رَأَيْت عَلَى الدّكَّة فخُذْه وادفعه إلى البَقَليّ. فلمّا جئت رَأَيْت عَلَى دكَّةٍ هناك قطعة ذهبٍ كبيرة، فأخذتُها وأعطيتها للبقليّ [٢] .

قَالَ: ولحِقَني الجنون مرَّةً، وحُمِلت إلى المارِستان، وطرقتني الأحوال حتّى متّ، وجاءوا بالكَفَن، وجعلوني عَلَى المَغْسَل، ثمّ سُرِّيَ عنّي وقمت.

ثمّ وقع فِي نفسي أن أخرج من بغداد لكثْرة الفِتَن الّتي بها، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أَيْنَ تمشي؟ ودفعني دفعة حتّى خَرَرْتُ منها، وقال: ارجع، فإنّ للنّاس فيك مَنْفَعة. قلت: أريد سلامة دِيني. قَالَ: لك ذَلِكَ. ولم أر شخصه.


[١] سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٤٤٤، ٤٤٥، الذيل على طبقات الحنابلة ١/ ٢٩٨، ٢٩٩.
[٢] سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٤٤٥.