للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتفسير القرآن، لا يصلح لك أنْ تتكلّم؟ اصعد عَلَى الكُرْسيّ، وتكلَّم عَلَى النّاس، فإنّي أرى فيك عِذْقًا سيصير نخلة [١] .

قَالَ: وقال لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت أؤمَر وَأُنْهَى فِي النّوم واليَقَظَة، وكان يغلب عليّ الكلام، ويزدحم عَلَى قلبي إنْ لم أتكلّم حتّى أكاد أختنق، ولا أقدر أن أسكت. وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة يسمعون كلامي، ثمّ تَسَامَع النّاس بي، وازدحم عليّ الخلْق، حتّى صار يحضر المجلسَ نحوٌ من سبعين ألفا.

وقال لي: فتّشت الأعمال كلّها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطّعام، أودّ لو أنّ الدّنيا بيدي فأُطْعمها الجياع.

وقال لي: كفّي مثقوبة لا تضبط شيئا، لو جاءني ألفُ دينار لم أبيّتها.

وكان إذا جاءه أحدٌ بذَهَبٍ يَقُولُ لَهُ: ضَعْها تحت السّجّادة.

وقال لي: أتمنّى أن أكون فِي الصَّحَاري والبراري، لما كنت فِي أوّل الأمر، لا أرى الخلْق ولا يروني.

ثمّ قَالَ: أراد اللَّه منّي منفعة الخلْق، فإنّه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة، وتاب عَلَى يدي من العَيّارين والمشّالحة أكثرُ من مائة ألف، وهذا خيرٌ كثير.

وقال لي: ترِدُ عليّ الأثقال الكثيرة، ولو وُضِعت عَلَى الجبال تفسَّخَتْ، فأضع جنْبي عَلَى الأرض، وأقرأ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ٩٤: ٥- ٦ [٢] ثمّ أرفع رأسي وقد انفرجت عنّي.

وقال لي: إذا ولد لي ولدٌ أخذته عَلَى يدي، وأقول هذا ميّت. فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثّر عندي موتُهُ شيئا [٣] .


[١] سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٤٤٥- ٤٤٧.
[٢] سورة الإنشراح، الآيتان ٥ و ٦.
[٣] سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٤٤٧.