قال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي: سمعت أبا الصبر أو عبد الجليل يقول: ورث أبو الحسن بن غالب عن أبيه نحو اثني عشر ألف دينار، فخرج عنها كلها تورّعا، فقال له أبو العباس بن العريف: يا أبا الحسن، هلّا طهّره الثلث؟ ثم إن أبا الحسن أثر الخمول والسياحة، وطاف البلاد في لقاء العلماء والزهّاد، وانقطع معهم وألزم نفسه من أنواع المجاهدات كثيرا. ثم لما كانت فتنة الأندلس دارت عليه دوائر كادت تنال منه، فخلّصه الله منها بجميل صنعه وما عوّد أولياءه من ألطافه، وفارق الأندلس بعد تردّده في كثير من بلادها حتى استوطن قصر كتامة وصار إمام الصوفية وقدوتهم، يقصدون إليه ويهتدون بآثاره ويقتبسون من أنواره. وكان ممكّنا في علوم القرآن، وله في طريقة التصوّف مصنّفات لا نظير لها منها: «كتاب اليقين» ، وكان له حظ وافر من الأدب وقرض الشعر، خاطبه القاضي أبو حفص بن عمر في أمر واستدعى منه الجواب فكتب إليه: وما عسى يصدر من باقل ... من كلم سحبان يعيا به لو جاز أن يسكت ألفا ولا ... ينطق خلفا كان أولى به فرض الجواب اضطرّه صاغرا ... أن يدّعي ما ليس من بابه أردتم من فضلكم أن تروا ... معيديا في فضل أثوابه فهاكم عنوانه معرب ... عن فهه بان بإعرابه لو سكت المسكين يا ويحه ... أغرى بمن كان من أحبابه وكان عالما، أديبا، شاعرا، ديّنا، فاضلا، زاهدا، متواضعا، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة للَّه تعالى، وقد جمع الله له محاسن جمّة من العلوم والمعارف والآداب، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السنية. وكان من المحدّثين، قيّد في الحديث روايات كثيرة، ولقي من المشايخ الجلّة جملة، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة للَّه والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة، وكان قد بلغ الثمانين سنة، وهو في اجتهاده كما في بدايته، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا، أشفق خلق الله على الناس، وأحسنهم ظنّا بهم. [٢] انظر عن (علي بن هبة الله) في: مرآة الزمان ٨/ ٢٨١، والتكملة لوفيات النقلة ١/ ٢٨١ (في ترجمة ابنه- حوادث ٥٩٣ هـ.) ، ومعجم الألقاب ج ٤ ق ٢/ ٧٩٢، والمختصر المحتاج إليه ٣/ ١٤٦، ١٤٧ رقم ١٠٦٧، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس