للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زنكيّ بَعْلَبَكّ استناب بها نَجْمَ الدّين، فعمّر بها خانقاه للصّوفيَّة [١] . وكان رجلا خيِّرًا، ديِّنًا، مبارَكًا، كثير الصَّدَقات، سَمْحًا، كريما، وافر العقل. ولمّا توجّه أخوه أسد الدّين إلى مصر وغلب عليها، كَانَ نجم الدّين فِي خدمة السّلطان نور الدّين بدمشق. فلمّا ولي الوزارة صلاح الدّين ابنه بمصر سيّره نور الدّين إلى عند ابنه صلاح الدّين، فدخل القاهرة فِي رجب سنة خمسٍ وستّين، وخرج العاضد للقائه، وترجّل ولده فِي ركابه، وكان يوما مشهودا.

وعرض عَلَيْهِ ولده الأمر كلَّه فأبى وقال: يا ولدي ما اختارك اللَّه لهذا الأمر إلّا وأنت لَهُ أهْل.

وبقي عنده، وأمْرُ صلاحِ الدّين- أيّده اللَّه- فِي ازديادٍ إلى أن ملك البلاد. فلمّا خرج لحصار الكَرَك خرج نجم الدّين من باب القصر بالقاهرة، فشبّ فرسه فرماه، فحُمِل إلى داره وبقي تسعة أيّام، ومات فِي السّابع والعشرين من ذي الحجَّة.

وكان يُلقَّب بالأجَلّ الأفضل. ومنهم من يَقُولُ بالملك الأفضل.

ودُفن إلى جانب أخيه أسد الدّين بالدّار، ثمّ نُقِلا إلى المدينة النّبويَّة فِي سنة تسعٍ وسبعين [٢] .

وقد روى بالإجازة عَنِ الوزير أَبِي المظفّر بْن هُبَيْرة.

سَمِعَ منه: يوسف بْن الطُّفَيْل، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشّيخ الموفَّقْ.

قَالَ الشَّيْخ أَبُو عُمَر: أنا نجم الدّين أيّوب، أنا ابن هُبَيْرة إجازة قَالَ:

كنت أُصلّي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناي مُطْبِقَتَان، فرأيت من وراء جفني كاتبا يكتب بِمِدادٍ أسود صلاتي عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا انظر مواقعَ الحروف فِي ذَلِكَ القرْطاس، ففتحتُ عينيّ لأنظره ببَصَرِي، فرأيته وقد توارى عنّي، حتّى رَأَيْت بياض ثوبه. وقد أشرتُ إلى هذا فِي كتابنا، يعني «الإفصاح» .


[١] انظر وفيات الأعيان ١/ ٢٥٧ و ٢٦١.
[٢] وفيات الأعيان ١/ ٢٥٥- ٢٥٨ و ٢٦٠، ٢٦١.