للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكأنّه واللهِ بهذا القول نعى إليَّ حالي وذَهاب مالي. وذلك أنّ كتاب الدّاعي مُحَمَّد بْن سبإ صاحب عدن [جاءني] [١] من ذي الحِجَّة يستدعي وصولي إِلَيْهِ، فاستأذنت أهل زَبِيد، فأذِنُوا لي على غشّ. وكانت للدّاعي بيدي خمسة آلاف دينار سيَّرها معي أتباعٌ لَهُ، بها أمتعة من مَكَّة وزَبِيد، فلمّا قدِمْت إلى ذي جَبْلة وجدُتُه قد دخل عروسا عَلَى ابْنَة السُّلطان عَبْد اللَّه [٢] . وكان جماعة من أكابر التّجّار والأعيان، مثل بركات ابن المقرئ، وحسن ابن الحمّار [٣] ، ومُرَجّى [٤] الحَرّانيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد النّيليّ، والفقيه أَبِي الْحَسَن بْن مهديّ القائم الَّذِي قام باليمن، وأزال دولة أهل زَبِيد، وكانوا قد سبقوني ولم يصلوا إلى الدّاعي. فلمّا وصلت إلى ذي جَبْلة كتبت إِلَيْهِ قول أَبِي الطّيب:

كُنْ حيثُ شئتَ تصل إليك رِكابُنا ... فالأرضُ واحدةٌ وأنت الأوحدُ [٥]

ثُمَّ أتْبَعْتُ ذَلِكَ برُقْعةٍ أطلب الإِذْن بالاجتماع بِهِ، فكتب بخطّه عَلَى ظهرها:

مرحبا مرحبا قدومُك بالسّعد ... فقد أشرقت بك الآفاقُ

لو فرشنا الأحداقَ حَتَّى تطأهنّ ... لقلّتُ فِي حقّك الأحداقُ

وكان هذان البيتان ممّا حفظه عَنْ جاريةٍ مغنيَّةٍ كنت أهديتها إِلَيْهِ، واتّفق أنّ الرُّقْعة وصلت مفتوحة بيد غلامٍ جاهل، فلم تقع فِي يدي حَتَّى وقف عليها الجماعة كلّهم، وركبت إِلَيْهِ فأقمت عنده فِي المستنْزَه أربعة أيّام، فما مِن الجماعة إِلَّا مَن كتب إلى [٦] أهل زَبِيد بما يوجب سفك دمي، ولا علم لي،


[١] إضافة من النكت العصرية ٢٨.
[٢] في النكت ٢٩ «عبد الله بن أسعد بن وائل» .
[٣] في الأصل: «الخمار» .
[٤] في الأصل: «مرجّا» .
[٥] النكت ٢٩.
[٦] في الأصل: «إليّ» .