للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا المرض. وأشرنا بالفَصْد، فقال: ابن ستّين سَنَة لا يفتصِد. وامتنع منه، فعالجناه بغيره، فلم ينجع.

قَالَ ابن الأثير [١] : كَانَ أسمر طويلا، لَيْسَ لَهُ لحية إِلَّا في حَنَكه. وكان واسع الجبهة، حَسَن الصّورة، حُلْو العينين، قد طالعت السِّيَر، فلم أر فيها بعد الخلفاء الرّاشدين وعُمَر بْن عَبْد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحرّيا منه للعدل.

وكان لا يأكل، ولا يلبس، ولا يتصرّف فِي الَّذِي يخصّه إِلَّا من مُلْكٍ كَانَ لَهُ قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المُرْصَدَة لمصالح المسلمين. ولقد طلبَتْ منه زوجته فأعطاها ثلاثة دكاكين بحمص كراها نحو عشرين دينارا في السّنة، فاستقلَّتها فقال: لَيْسَ لي إِلَّا هذا، وجميع ما بيدي أَنَا فِيهِ خازن للمسلمين. وكان رحمه اللَّه يصلّي كثيرا باللّيل. وكان عارِفًا بالفقه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، ولم يترك فِي بلاده عَلَى سَعتِها مُكْسًا.

إلى أن قَالَ فِي أوقافه عَلَى أنواع البِرّ: سَمِعْتُ أنّ حاصل وقْفه فِي الشّهر تسعة آلاف دينار صوريّ.

قَالَ لَهُ القُطْب النَّيْسَابوريّ مرَّةً: لا تُخَاطِرْ بنفسك، فإنْ أُصِبتَ فِي معركةٍ لا يبقى للمسلمين أحدٌ إِلَّا أخذه السّيف. فقال: مَن محمود حَتَّى يقال له هذا؟ مَن حفظ البلاد قبلي؟ ذَلِكَ اللَّه الَّذِي لا إله إِلَّا هُوَ.

وقال يحيى بْن مُحَمَّد الوهْرانيّ، وذكر نور الدِّين: هُوَ سهم للدّولة سديد، ورُكنٌ للخلافة شديد، وأميرٌ زاهد، وملك مجاهد، تساعده الأفلاك، وتعضدُه الجيوشُ والأملاك، غير أَنَّهُ عرف بالمرعى الوكيل لابن السّبيل، وبالمحلّ الجديب للشاعر الأريب، فما يُرزّى ولا يُعزّى، ولا لشاعرٍ عنده نعمةٌ تجزى.

وإيّاه عنى [٢] أُسامة بن منقذ بقوله:


[١] في الكامل ١١/ ٤٠٣.
[٢] في الأصل: «عنا» .