وحكى لي أَبُو الْحَسَن عليّ بْن إِبْرَاهِيم الْأَنْصَارِيّ الحنبليّ عَن أَبِي الْحَسَن سعد الخير قَالَ: ما رأينا فِي سِنّ الحافظ أَبِي القاسم مثله.
وحدّثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ: سمعت أَبَا العلاء الهَمَذَاني يقول لرجل، وقد استأذنه أن يرحل، فقال: إنْ عرفتَ أستاذا أعرف منّي أو فِي الفضل مثلي فحينئذ آذَنُ لكَ أن تسافر إليه، إلَّا أن تسافر إلى الحافظ ابْن عساكر، فإنّه حافظ كما يجب. فقلت: مَن هذا؟ فقال: حافظ الشّام أَبُو القاسم ويسكن دمشق. وأثنى عَلَيْهِ.
وكان يجري ذِكره عند خطيب الموصل أَبِي الفضل فيقول: ما نعلم مَن يستحقّ هذا اللّقب اليوم، أعني الحافظ، ويكون به حقيقًا سواه. كذا حدّثني أَبُو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: لمّا دخلت هَمَذَان أثنى عَلَيْهِ الحافظ أَبُو العلاء وقال: أَنَا أعلم أنّه لَا يُساجل الحافظ أَبَا القاسم فِي شأنه أحد، فلو خالق النّاس ومازَحَهم كما أصنع، إذا لَاجتمع عَلَيْهِ الموافِق والمخالِف.
وقال لي يوما: أيّ شيء فُتِح لَهُ، وكيف ترى الناسَ لَهُ؟
قُلْت: هُوَ بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلَّا بالجمْع والتّصنيف والتّسميع فِي نُزَهِهِ وخَلَوَاته. فقال: الحمد للَّه، هذا ثمرة العِلم. ألا إنّا قد حصل لنا هذا المسجد والدّار والكُتُب، هذا يدلّ على قلّة حظوظ أهل العلم فِي بلادكم.
ثمّ قَالَ لي: ما كان يُسمى أَبُو القاسم ببغداد إلَّا شُعلة نارٍ من تَوَقُده وذكائه وحُسْن إدراكه [١] .
وقال أَبُو المواهب: أمّا أَنَا فكنت أذاكره فِي خَلَوَاتِه عَن الحُفاظ الّذين لقِيَهُم. فقال: أمّا ببغداد فأبو عامر العَبدَرِي، وأمّا بأصبهان فأبو نصر اليُونَارتي، لكنّ إِسْمَاعِيل الحافظ كان أشهر منه.