وكان قد لزِم بيته، وترك الخروج إلى الجماعة لأنّ أهل مَنْبِج كانوا قد صاروا ينتحلون مذهب الأشعريّ، ويبغضون الحنابلة بسبب واعظ قدِم يُسمى الدّماغ، فأقام بها مدّة، وحسّن لهم ذلك. وكان البلد خاليا من أهل العلم، فشربت قلوبهم ذلك.
قال: وسمعت رجلا يقول للشّيخ عسكر النّصيبيّ: أهل مَنْبِج قد صاروا يبغضون أهل حرّان. فقال: لَا يبغض أهل حرّان من فِيهِ خير.
وسمعت الشَّيْخ سلامة يقول، لمّا مضى الدّماغ إلى دمشق ومات، جاءنا الخبر فقاموا يُصلون عَلَيْهِ، ولم أقم أَنَا، فقالوا لي: ما تصلّي عَلَيْهِ؟ فقلت:
لَا، قُعُودي أفضل. وقالوا لي: لِمَ لَا تخرج إلى الجماعة؟ فقلت: جماعتكم صارت فِرقة.
وقال لي: عبر الشَّيْخ الزّاهد أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل الحرّانيّ على مَنْبِج، ولم يدخل إليّ، وبعث يقول: إنّه لم يدخل إليّ لأجل أهل منبج. وأنا أيش ذنبي.
وكان الشَّيْخ أَبُو بَكْر يذكره كثيرا، وينوّه باسمه، ويحثّ على زيارته، وهو الَّذِي عرّفنا به.
سمعت الشَّيْخ سلامة يقول: كنت بالموصل فِي زمن بني الشّهرزوريّ أذكر السّنّة، وأنكِر السّماع.
سمعت رجلا من أهل الموصل يقول: جئت إلى الجزيرة، فأخبرت أنّ الشَّيْخ هناك، فسألت عَنْهُ فوجدته فِي بعض المساجد، فجئت إليه، ثمّ خرجنا من هناك، فمشى بين يديّ، فنظرت فإذا هُوَ سبقني، فقلت فِي نفسي من غير أن يسمع، كذا وكذا من أخت كذا.