وقد سمعته يقول، وذكر لي إنسان أنّ بعض الرؤساء عرض عَلَيْهِ ملكا يقفه عَلَيْهِ، فقال لَهُ أَبُو بَكْر: وأيش تعمل به لو لم يكن فِي مالهم شُبْهة إلَّا الجاه لكفى.
سمعت فتيان بْن نيّاح الحرّانيّ، وكان عالِم أهل حَران وقد جرى بيننا ذِكر الكرامات فقال: أَنَا لَا أحكي عَن الأموات ولكن عَن الأحياء. هذا أَبُو بَكْر بْن إِسْمَاعِيل حجّ فِي بعض السّنين، فلمّا قرُب مجيء الحاجّ جاء الخبر أنّ أَبَا بَكْر قد مات. فجلست محزونا فجاءتني والدته وأنا فِي مكاني هذا، فسلمَتْ، فرددتُ عليها متحزْنًا.
فقالت [١] : أيش هُوَ؟
فقلت: هُوَ الَّذِي يحكى.
فقالت: ما هُوَ صحيح.
قلت: من أَيْنَ لكِ؟
قَالَتْ هُوَ قَالَ لي قبل أن يخرج إنّه سَيَبْلُغُكِ أنّي قد متّ، فلا تصدّقي، فإنّي لا بدّ أجيء وأتزوّج، وأرزقُ ابنا وأموت.
قال: فأوّل من جاء هُوَ، وتزوّج ورُزق ابنا، ومات.
هذا مع كراهيته إظهار الكرامات والدعاوَى.
وكان عاقلا فِطنًا، يتكلّم بالحكمة فِي أمر الدّين.
حدّثني مَن حضر موته قَالَ: كُنَّا أَنَا وفلان وفلان، فتوضّأ ثمّ صار يسأل عَن وقت الظُهر، فقال بعضنا: جرت عادة النّاس يأخذون من آثار مشايخهم للتّبرّك. فقال: إن قبِلتم منّي لَا تريدون شيئا من الدّنيا.
قال: فبينما أَنَا جالس أغفيت، فرأيت كأنّ البيت الَّذِي نَحْنُ فِيهِ يخرج منه مثل ألسُن الشّمع، يعني النّور. ورأيت كأنّ شيخا جاء إلى عند الشَّيْخ أَبِي بَكْر، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا الشّيخ حمد.