للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت وقعة حِطّين هَذِهِ فِي نصف ربيع الآخر، ولم ينْجُ فيها منَ الفِرَنج إلّا القليل، وهي من أعظم الفتح فِي الْإِسْلَام.

وقيل كَانَ للفرنج أربعين ألفا.

وأبيع فيها الأسير بدمشق بدينار فلله الحمد.

قَالَ أَبُو المظفَّر بْن الجوزيّ [١] : خيَّم السّلطان عَلَى ساحل البحيرة فِي اثني عشر ألفا منَ الفرُسان سوى الرّجّالة، وخرج الفِرَنج من عكّا، فلم يَدَعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صَفُّوريَّة، وتقدَّم السّلطان إلى طبريَّة، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها فِي ربيع الآخر، وتقدّمت الفِرَنج فنزلوا لوبية منَ الغد، وملك المسلمون عليهم الماء، وكان يوما حارّا. والتهب الغَوْر عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ فِي الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول اللّيل، فَلَمَّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظُّهْر، وصعدوا إلى تلّ حِطّين والنّار تُضْرَم حولهم، وساق القُومُّص عَلَى حَمِيَّة وحرق، وطلع إلى صَفد [٢] ، وعملت السّيُوف فِي الفِرَنج، وانكسر [٣] منَ الملوك جماعة، وجيء بصليب الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وَهُوَ مرصَّع بالجواهر واليواقيت فِي غلافٍ من ذهب. فأُسِرَ ملكَ الفِرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكَرَك إِبْرَاهِيمُ غلام المهرانيّ.

قَالَ: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عَنْ يمينه، ويليه إبْرنْس الكَرَك، فنظر السّلطان إلى الملك وَهُوَ يَلْهَث عَطَشًا، فأمر لَهُ بماءٍ وثَلْج، فشرب وسقى البِرِنْس، فَقَالَ السّلطان: ما أذنْتُ لك فِي سقْيه. والتفتَ إلى البِرِنس فَقَالَ: يا ملعون يا غدّار، حَلَفْت ونكثْت. وَجَعَل يعدّد عليه غَدْراته.

ثُمَّ قام إِلَيْهِ فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل الملك، فأمّنه السّلطان وقَالَ: هَذَا كلب غدر غير مرّة.


[١] في مرآة الزمان ٨/ ٣٩٣.
[٢] في مرآة الزمان ٨/ ٣٩٣ «صفت» .
[٣] هكذا في الأصل. ولعلّ الصحيح «وأسر» .