للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجابوهم رجالا وفرسانا، وزرافات ووحدانا، وبرّا وبحرا، ومركبا وظهرا، وسهلا ووعرا. وخرج كُلّ يلبّي دعوة بطرَكه، ولا يحتاج إلى عزمة ملكه.

ونزلوا عَلَى عكّا يمدّهم البحر بأمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه من سلاحه وأزواده، وعدّتهم مائة ألف أو يزيدون، كلّما أفناهم القتْل أخلفتهم النّجدة.

قَالَ: واستمرَّ العدوّ يحاصر الثّغر محصورا مِنَّا أشدّ الحصر، لا يستطيع قتال الثّغر لأنّا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفا من حتفه، ولا نستطيع الدّخول إِلَيْهِ لأنّه قَدْ سوّر وخندق، وحاجز من وراء الحجرات وأغلق. ولمّا خرج ملك الألمان بجيشه وعاد عَلَى رسم قديم إلى الشّام، فكان العَوْد لأُمَّة أحمد أَحْمَد. فظنّوا أَنَّهُ يزعجنا، فبعثنا إِلَيْهِ مَن تلقّاه بعسكرنا الشّماليّ، فسلك ذات الشّمال متوعّرا، وأظهر أَنَّهُ مريض. وكان أَبُوه الطّاغية قَدْ هلك فِي طريقه غرقا، وبقي ابنه المقدّم المؤخّر، وقائد الجميع المكسّر، وربّما وصلهم إلى ظاهر عكّا فِي البحر، تهيُّبًا أن يسلك البرّ، ولو سبق عساكرنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوهم، ولكنّ للَّه المشيئة.

ولمّا كَانَتْ حضرة سلطان الْإِسْلَام، وقائد المجاهدين إلى دار السلام، أَولى من توجَّهَ إِلَيْهِ الْإِسْلَام بشكواه وبثّه، واستعان بِهِ عَلَى حماية نسْله وحَرْثه، وكانت مساعيه ومساعي سَلَفه فِي الجهاد الغُر المحجَّلة، الكاشفة لكلّ مُعْضِلة، والأخبار بِذَلِك سائرة، والآثار ظاهرة.

إلى أن قَالَ: وكان المتوقَّع من تلك الدّولة العالية، والعزمة العارية، مَعَ القدرة الوافية، والهمَّة المهديَّة الهادية، أن يمدّ غرب الْإِسْلَام المسلمين بأكثر ممّا أمدّ به غرب الكفّار الكافرين. فيملؤها عليهم جواري كالأعلام، ومُدُنًا فِي الحجّ كأَنَّها اللّيالي مقلعة بالأيّام، تطلع علينا آمالا، وعلى الكفر آجالا، وتردّنا إمّا جملة وإمّا أَرسالًا ولمّا استبطأت ظُنَّ أنّها قَدْ توقّفت عَلَى الاستدعاء، فصرّحنا بِهِ فِي هذه التّحيّة، وسُيِّر لحضور مجلسه الأطهر، ومحلّه