للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واللَّه ما يرجع أحدٌ منَّا عَنْ نُصرتك إلى أن تموت [١] .

فَقَالَ الجماعة مثل ما قَالَ، فانبسطت نفس السّلطان وأطعمهم، ثُمَّ انصرفوا.

فَلَمَّا كَانَ عشاء الآخرة اجتمعنا فِي خدمته عَلَى العادة وسَمَرْنا وَهُوَ غير منبِسط. ثُمَّ صلّينا العشاء، وكانت الصَّلاة هِيَ الدُّستور العامّ، فصلّينا وأخذنا فِي الانصراف فاستدعاني وقَالَ: أَعَلِمتَ ما تجدَّد؟ قُلْتُ: لا.

قَالَ: قَالَ إنّ أَبَا الهيجا السّمين تقدَّم إليّ اليوم وقَالَ: اجتمع اليوم عنده الأمراء، وأنكروا موافقتنا عَلَى الحصار، وقالوا لا مصلحة فِي ذَلِكَ، فإنّا نُحصَر ويجري علينا ما جرى عَلَى أَهْل عكّا، وعند ذَلِكَ تؤخذ بلاد الْإِسْلَام أجمع. والرأي أنْ نعمل [٢] مُصَافًّا، فإنْ هزمْناهم مَلَكْنا بقيّة بلادهم، وإنْ تكن الأخرى سلِم العسكر وذهب [٣] القدس. وَقَدِ انحفظت بلاد الْإِسْلَام وعساكرها مدّة بغير القدس.

وكان السّلطان رحِمَه اللَّه عنده منَ القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال، فشقَّت عليه هَذِهِ الرسالة.

وقمت تِلْكَ اللّيلة فِي خدمته إلى الصّباح، وهي منَ اللّيالي الّتي أحياها فِي سبيل اللَّه.

وكان ممّا قالوه فِي الرسالة: «إنّك إنْ أردتنا أن نقيم بالقدس فتكون أَنْت معنا أَوْ بعض أهلك، فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك يدينون للأكراد» .

فانفصل الحال عَلَى أن يضمّ من أهله الملك الأمجد صاحب بِعْلَبَكّ.

وكان رحِمَه اللَّه يحدِّث نفسه بالمُقام، ثُمَّ امتنع من ذلك لما فيه من


[١] في تاريخ ابن الفرات ٤/ ٢/ ٦٩ «يموت» .
[٢] في تاريخ ابن الفرات ٤/ ٢/ ٧٠ «أن نلقي» .
[٣] في تاريخ ابن الفرات ٤/ ٢/ ٧٠ «ومضى» .