وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غِلٍّ ١٥: ٤٧ [١] . وأوّل ليلةٍ حَضَرْتُهُ وجدتُ مجلسا حفِلًا بأهل العلم يتذاكرون فِي أصناف العلوم، وَهُوَ يُحْسن الاستماع والمشاركة ويأخذ فِي كيفيّة بناء الأسوار، وحفْر الخنادق، ويتفقّه فِي ذَلِكَ، ويأتي بكلّ معنى بديع.
وكان مهتمّا فِي بناء سور القدس، وحفْر خندقه، يتولّى ذَلِكَ بنفسه، وينقل الحجارة عَلَى عاتقه، ويتأسّى بِهِ جُمَيْع النّاس، الأغنياء، والفقراء، والأقوياء، والضّعفاء، حَتَّى العماد الكاتب والقاضي الفاضل. ويركب لذلك قبل طلوع الشّمس إِلَى وقت الظُّهْر، ويأتي دارَه فيمدّ السِّماط، ثُمّ يستريح، ويركب العصر، ويرجع فِي ضوء المشاعل، ويُصرّف أكثر اللّيل فِي تدبير ما يعمل نهارا.
وقَالَ لَهُ بعض الصُّنّاع: هَذِهِ الحجارة الّتي تُقطع من أسفل الخندق، ويُبنى بها السّور رخْوة. قَالَ: نعم، هَذِهِ تكون الحجارة الّتي تلي القرار والنّداوة، فإذا ضربتها الشّمس صَلُبَت.
وكان رحِمَه اللَّه يحفظ «الحماسة» ، ويظنّ أنّ كُلّ فقيه يحفظها، فكان ينشد القطعة، فإذا توقّف فِي موضعٍ أستطعم فلم يُطعَم. وجرى لَهُ ذَلِكَ مَعَ القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، فخرج من عنده، فلم يزل حَتَّى حفظها.
وكتب لي صلاح الدّين بثلاثين دينارا فِي الشّهر عَلَى ديوان الجامع