للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما فِي الصَّحاب أخو وَجْدٍ أُطارحُهُ ... حديثَ نجدٍ ولا صَبٍّ أُجاريه

إليك عن كلّ قلب فِي أماكنهِ ... ساهٍ وعن كلّ دمعٍ فِي مآقيه

ما واحدُ القلب فِي المعنى كفاقده ... وجامد الدّمع فِي البَلْوى كجارية

يا منزلا بدواعي البَيْن مُنْتَهبٌ ... وما البليَّة إلّا من دواعيه

وقفت أشكو اشتياقي والسّحاب به ... فانْهلّ دمعي وما انهلَّت عزاليه

ومالكٍ غير قتلي ليس يُقْنِعُهُ ... وفاتكٍ غيرَ ذُليّ ليس يُرضيهِ

لم أدْر حين بدا والكأسُ فِي يده ... من كأسِه الخمرُ، أَمْ عينيه، أمْ فيهِ

حَكَت جواهرُه أيّامه فَصَفَتْ ... واستَهْدتِ الشَّمسُ معنى من معانيهِ

تُوُفّي رحمه اللَّه فِي رابع رجب بقَرْيتِه، وقد أنشد أبو الفَرَج بن الجوزيّ من شعره على المنبر [١] .


[١] وقال ابن الدبيثي: شيخ متقدّم بناحيته، فيه فضل وتميّز، وهو أحد من سار شعره، وانتشر ذكره، ونبه بالشعر قدره، وحسن به حاله وأمره، وطال في نظم القريض عمره، وساعده على قوله زمانه ودهره. أكثر القول في الغزل والمدح وفنون المقاصد. وكان سهل الألفاظ، صحيح المعاني، يغلب على عشره وصف الحب والشوق وذكر الصبابة والغرام، فعلق بالقلوب ولطف مكانه عند أكثر الناس، ومالوا إليه وتحفّظوه وتداولوه بينهم، واستشهد به الوعّاظ واستحلاه السامعون حتى بلغني أنه حكى، أعني أبا الغنائم ابن المعلّم، ولم أسمعها منه. قال: اجتزت يوما ببغداد على بدر المحروس، والناس مزدحمون هناك غاية الزحام، فسألت عما ازدحموا عليه؟ فقيل لي: هذا الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي الواعظ جالس هاهنا. ولم أكن علمت بجلوسه، فتقدّمت وزاحمت حتى شاهدته، وسمعت كلامه وهو يعظ ويذكّر حتى قال مستشهدا على بعض إشاراته، ولقد أحسن ابن المعلّم حين يقول:
يزداد في مسمعي تكرار ذكركم ... طيبا ويحسن في عيني مكرّره
فعجبت من اتفاق حضوري واستشهاده بهذا البيت وهو لي وما يعلم أني حاضر ولا أحد من الحاضرين فانكفيت.
ولقد سمعت أبا عبد الله محمد بن يوسف الأرّجاني ببغداد يقول: قال لي إنسان بسمرقند وقد جرى ذكر أهل العراق ولطافة طباعهم ورقّة ألفاظهم: كفى أهل العراق أن منهم من يقول:
تنبّهي يا عذبات الرند ... كم ذا الكرى هبّ نسيم نجد؟
وكرّر البيت تعجّبا منه من لطافته وعذوبة لفظه وهو لابن المعلّم مبدأ قصيدة مدح بها إنسانا يعرف بهندي بنى القصيدة على هذه القافية لأجل اسمه.