[٢] وقال الصفدي: كان أحد الخدم الكبار بدار الخلافة، وله المنزلة الرفيعة عند الخلفاء، تولّى النظر بواسط أيام المستنجد باللَّه، ثم تولّى استادارية الخلافة أيام المستضيء سنة سبع وستين، وبقي مدّة على ولايته معظّما على نظرائه، وعزل سنة إحدى وسبعين، ولزم بيته مدّة، ثم ولي عدّة ولايات أيام الإمام الناصر. وكان حافظا لكتاب الله، متديّنا، محبّا لأهل العلم مكرما لهم، يعرف طرفا من العلم، وسمع بعد علوّ سنّه من هبة الله بن أحمد بن محمد بن شاتيل.. وانتقى عليه الحافظ معمر بن عبد الواحد بن الفاخر الأصبهاني جزءا من عوالي مسموعاته. قال أبو الغنائم محمد بن علي بن المعلّم: حججت سنة ثمان وستين وخمسمائة وكان عماد الدين صندل الخاص في السفر، ولكثرة أشغالي في الطريق بمهامّ نفسي لم أتفرّغ أن أطلبه وأسلّم عليه، فلما كان في الرجعة وقد بقي بيننا وبين الكوفة ثلاث مراحل رأيت خيمة كبيرة عالية بالقرب من الموضع الّذي نزلت فيه، فسألت عنها فقيل لي: إنها للأمير عماد الدين صندل، فلبست ثيابا غير الثياب التي كانت عليّ ومضيت إليه لأسلّم عليه، فرأيته من بعيد وقد عمل له طرّاحة ومسند في الخيمة، فلما رآني من بعيد وعرفني قال لحاجب له يقال له بهرام: من هذا؟ تنبّهي يا عذبات الرند قال: فلما دخلت عليه وقبّلت يده قلت: يا مولانا وكيف ما تعرفني إلّا بقولي: تنبّهي يا عذبات الرند لم لا تعرفني بقولي فيك؟ قال: وما قلت في؟ قلت: قولي: وما أرج من روضة ظلّها النّدى ... تضرّع في جنح من الليل أليل وجاءت به ريح الصبا وهي رطبة ... بها من شميم الحيّ عبقة مندل بأطيب عرفا من تراب أماكن ... تمشّت بها مجتازة خيل صندل فاستحسن ذلك مني، وأمر حاجبه بهرام فأحضر لي جبّة وعمامة وقميص تحتاني ولباسا مع تكّته وخفّا وعشرين دينارا وقال: هذه تنفقها من الحلّة إلى أن تصل إلى أهلك.