للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي أوّل ملكه، وذلك فِي سنة ثمانين، خرج عليه صاحب ميورقة [١] الملك المعروف بابن غانية، وهو عليّ بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن غانية، فسار فِي البحر بجيوشه، وقصد مدينة بِجاية، فملكها وأخرج مَن بها من الموحّدين فِي شعبان مِن السّنة. وهذا أوّل اختلالٍ وَقَعَ فِي دولة الموحّدين [٢] .

وأقام ابن غانية ببِجاية سبعة أيّام، وصلّى فيها الجمعة، وأقام الخُطبة للإمام النّاصر لدين اللَّه العبّاسيّ، وكان خطيبه يومئذٍ الْإِمَام أبو مُحَمَّد عَبْد الحقّ الأزْديّ مصنِّف الإحكام. فأحنق ذلك المنصورَ أَبَا يوسف، ورام قتْلَ عَبْد الحقّ، فعصمه اللَّه وتوفّاه قريبا.

ثُمَّ سار ابن غانية بعد أن أسّس أموره ببِجاية، ونازل قلعة بني حمّاد فملكها، وملك تلك النّواحي، فتجهَّز المنصور لحربه بجيوشه، فتقهقر ابن غانية، وقصد بلاد الجريد، فلمّا وصل المنصور إِلَى بِجّاية تلقّاه أهلها، فصفح عَنْهُمْ، وجهّز جيشا مع ابن عمّه يعقوب بْن عُمَر، ونزل هُوَ تونس، فالتقى يعقوب وابن غانية، فانهزم الموحّدون انهزاما مُنْكَرًا، وتبِعَهم جيش ابن غانية من العرب والبربر يقتلونهم فِي كلّ وجهٍ، وهلك كثيرٌ منهم عَطَشًا، ورجع من سَلِم إِلَى تونس. فلمَّ المنصور شعْثهم، ثُمَّ سار بنفسه وعمل مع ابن غانية مصافّا، فانكسر أصحاب ابن غانية، وثبت هُوَ، وبيّن إِلَى أن أُثخن جراحا، ففرّ بنفسه متماسكا، ومات فِي خيمة أَعرابيَّة [٣] . ثُمَّ إنّ جُنْدَه قدّموا عليهم أخاه يحيى، ولحِقوا بالصّحراء فكانوا بها مع تلك العُربان إِلَى أن رجع المنصور إِلَى مَرّاكُش.

وانتقض أَهْل قَفْصَة فِي هَذِهِ المدَّة، ودعوا لبني غانية، فنزل عليها المنصور، فحاصرها أشدّ الحصار، وافتتحها عَنْوةً، وقتل أهلها قتلا ذريعا.

فَقِيل إنّه ذبح أكثرهم صبرا، وهدم أسوارها، ورجع إلى المغرب [٤] .


[١] في الأصل: «ميرقة» .
[٢] الروض المعطار ٥٦٨.
[٣] المعجب ٣٤٩.
[٤] الروض المعطار ٥٦٨، المعجب ٣٤٩.