للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنشأ فِي يومٍ [١] ما لو دُوِّن، لكان لأهل الصّناعة خيرَ بِضاعة. أينَ قُسٌّ من فصاحتِهِ، وقَيْسٌ من [٢] حصافته؟ ومَن حاتمٌ وعَمْرو فِي سَماحتِه وحماستِه [٣] ؟

لا مَنَّ فِي فِعله، ولا مَيْن فِي قوله [٤] ذو الوفاء، والمروءة، والصّفا، والفُتُوَّة، والتُّقَى، والصّلاح، والنَّدَى، والسّماح [٥] . وهو من أولياء اللَّه الّذين خُصّوا بكرامته، وأخلصوا لولايته [٦] . وهو مع ما يتولّاه مِن أشغال المملكة [٧] ، لا يفتر عن المواظبة على نوافل صَلَواته، ونوافِل صِلاته. يختم كلّ يومٍ القرآنَ المَجِيد، ويضيف إليه ما شاء اللَّه من المَزِيد، وأنا أوثر أن أُفرد لنظْمه ونثْره كتابا، فإنّني أغار من ذِكره مع الّذين هُمْ كالسُّها فِي فَلَك شَمْسه وذُكائه، وكالثَّرى عند ثريّا علمه وذكائه، فإنّما تبدو النّجوم إذا لم تُبرز الشّمسُ حاجبَها. وإنّه لا يوثِر أيضا إثبات ذلك، فأنا ممتثلٌ لأمره المُطاع ملتزمٌ له قانون الاتّباع، لا أعرف يدا مَلَكتني غير يده، ولا أتصدّى إلّا لِما جعلني بصَدَده.

قلت: وكان رحمه اللَّه أحدب. فحدثني شيخنا جمال الدّين الفاضليّ أنّ القاضي الفاضل ذهب فِي الرّسْليَّة إلى صاحب الموصل، فحضر وأُحضِرت فواكه، فقال بعض الكبار منكِّتًا على الفاضل: خِياركم أحدب. فقال الفاضل:

خسّنا خير مِن خِياركم.

وحدَّثني الفاضليّ فِي آخر سنة إحدى وتسعين أنّ القاضي والعِماد الكاتب كانا في الموكب، فقال القاضي الفاضل:


[١] في الخريدة: «في يوم واحد، بل في ساعة واحدة ما لو دوّن» .
[٢] في الخريدة: «وأين قيس في» .
[٣] في الخريدة زيادة: «فضله بالإفضال حال، ونجم قبوله في أفق الإقبال عال» .
[٤] وفي الخريدة زيادة: «ولا خلف وعده، ولا بطء في رفده، الصادق الشيم، السابق بالكرم، منشر رفات العلم وناشر راياته» .
[٥] في الخريدة زيادة: وجالي غيابات الفضل وتالي آياته.
[٦] في الخريدة زيادة بن: «قد وفقه الله للخير كله، وفضل هذا العصر على الأعصار السالفة بفضله ونبله» .
[٧] في الخريدة زيادة: «الشاغلة، ومهامه المستغرقة في العاجلة، لا يغفل عن الآجلة ... » .