للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ إنّه توجّه إِلَى اليمن، ووَزَر لسيف الإسلام، وأرسله إِلَى الدّيوان الْعَزِيز، فعظُم ببغداد وبُجِّل.

ولمّا صِرْتُ إِلَى مصر وجدتُ ابن بُنان فِي ضَنْكٍ من العَيْش، وعليه دَيْن ثقيل، وأدّى أمره إِلَى أنْ حَبَسه الحاكم بالجامع الأزهر. وكان يتنقّص بالقاضي الفاضل، ويراه بالعين الأولى، والفاضل يُقصّر فِي حقّه، فيقصّر النّاسُ مراعاة للفاضل.

وكان بعض مَن له عليه دَيْن أعجميّا جاهلا، فصعِد إليه إِلَى سطح الجامع، وسفّه عليه، وقبض على لحيته، وضرَبه، ففرّ وألقى بنفسه من سطح الجامع فتهشَّم، فحُمِل إِلَى داره، وبقي أياما ومات. فسيَّر القاضي الفاضل بجهازه خمسة عشر دينارا مع ولده [١] . ثُمَّ إنّ القاضي مات فجأة بعد ثلاثة أيّام رحمه الله.


[١] قال المقريزي: ولم يصلّ عليه ولا شيّع جنازته، فأنكر ذلك عليه، واتفق أن الفاضل مات بعده فجأة بعد ثلاثة أيام، وكان لهذا أعجب من حال جرير والفرزدق، فإنه كان بينهما ستة أشهر، وكان بين هذين الرجلين ثلاثة أيام، فليعتبر العقلاء بذلك.
وكان الأثير فاضلا جليلا عالما أديبا بليغا. له شعر مليح وترسّل فائق، وتقدّم في الكتابة، ونال الرئاسة الخطيرة، وتمكّن التمكّن الكثير.
وصنّف كتاب تفسير القرآن الكريم، وكتاب «المنظوم والمنثور» .
قال فيه العماد الكاتب: له شعر كالسحر، ونثر كنظم الدرّ.
ومن شعره يصف مغارة في جبل:
وشاهقة خاضت حشا الجو مرتقى ... تشير إلى زهر الكواكب من عل
محاسنها شتّى ولكن أخصّها ... وأثرها ذكرى حبيب ومنزل
جداول تجري باللجين، فتارة ... تسيح وأحداث تريني موئلي
وقال الأسعد شرف الدين أبو المكارم بن المهذّب بن زكريا بن أبي المليح المماتي، في الأثير ابن بنان:
الشيخ ذو بلاغة ... معدودة من حكمه
كأنّما خاطره ... على لسان قلمه
قد قدّ من فصاحة ... فطبعه ملء فمه
وقال أيضا:
أطال الله عزّك يا أثير ... وطوّل في حياة أبي عليّ
وها أنا قد خدمتك في دعائي ... فتمّم بالصلاة على النبيّ