للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من كبار الدّولة. وله مواقف مشهورة بالسّواحل. وكان مقدَّم الغُزاة حين توجّهوا إِلَى العدوّ الّذين قصدوا الحجاز فِي البحر المالح بعدَّة مراكب وشوكة، فأحاطوا بهم، واستولوا عليهم بأسرهم. وكانت غزوة عظيمة القدر، وقدِموا بالأَسرى إِلَى القاهرة، وكان يوما مشهودا.

تُوُفّي لؤلؤ بالقاهرة فِي صَفَر.

قال الموفّق عَبْد اللّطيف: كان شيخا أرمنيّا فِي الأصل، من أجناد القصر، وخدم مع صلاح الدّين مقدّما للأصطول. وكان حيثما توجّه فتح وانتصر وغنم. أدركتُه وقد ترك الخدمة. وكان يتصدَّق كلّ يوم باثني عشر ألف رغيف مع قُدُور الطّعام. وكان يُضعّف ذلك فِي رمضان، ويضع ثلاثة مراكب، كلّ مركب طوله عشرون ذراعا مملوءة طعاما، ويدخل الفقراء أفواجا، وهو مشدود الوسط، قائم بنفسه، وبيده مغرفة، وَفِي الأخرى جرَّة سَمْن، وهو يُصْلح صفوف الفُقراء، ويقرّب إليهم الطّعام، ويبدأ بالرجال، ثُمَّ بالنّساء، ثُمَّ بالصّبيان. ومع كَثرتهم لا يزدحمون لِعلمهم أنّ المعروف يعمّهم.

فإذا فرغوا بَسَط سِماطًا للأغنياء يعجز الملوك عن مثله.

ولمّا كان صلاح الدّين على حَرّان توجّه فرنج الكَرَك والشَّوْبك لينبشوا الحُجرة النّبويّة، وينقلوه إليهم، ويأخذوا من المسلمين جُعْلًا على زيارته، فقام صلاح الدّين لذلك وقعد، ولم يمكنه أن يتزحزح من مكانه، فأرسل إِلَى سيف الدّولة ابن مُنقذ نائبة بمصر أنْ جَهِّزْ لؤلؤ الحاجب. فكلّمه فِي ذلك فقال: حسبك، كم عددهم؟ قال: ثلاثمائة ونيّف كلّهم أبطال.

فأخذ قيودا بعددهم، وكان معهم طائفة من مرتدَّة العرب، ولم يبق بينهم وبين المدينة إلّا مسافة يوم، فتداركهم وبذل الأموال، فمالت إليه العرب للذهب، واعتصم الفرنج بجبلٍ عالٍ، فصعد إليهم بنفسه راجلا فِي


[ () ] لوفيات النقلة ١/ ٤١٧ رقم ٦٥٠، والعبر ٤/ ٣٠٤، وسير أعلام النبلاء ٢١/ ٣٨٤، ٣٨٥ رقم ١٩٣، وتاريخ ابن الفرات ج ٤ ق ٢/ ٢٤٥، وشذرات الذهب ٤/ ٣٣٦.