وكان يَنْهَى عن الاشتغال بكُتُب المنطِق والجدل، وقطّع كُتُبًا من ذلك فِي مجلسه.
وكان قد تظاهر بترك النّيابة فِي القضاء عن القاضي ابن أَبِي عصرون، فأرسل إليه السّلطان صلاحُ الدّين مجدَ الدّين بْن النّحّاس والد العماد عَبْد اللَّه الراويّ، وأمره أن يضرب على علامته فِي مجلس حُكْمه، ففعل به ذلك، فلزِم بيته حياء، وطلب ابن أَبِي عصرون من يَنوب عَنْهُ، فأشاروا عليه بالخطيب ضياء الدّين الدَّوْلَعيّ، فأرسل إليه خِلعةَ النّيابة مع البدْر يُونُس الفارِقيّ، فردّه وشتمه، فأرسل إلى جمال الدّين بن الحرستانيّ، فناب عَنْهُ.
قلت: ثُمَّ بعد هَذَا تُوُفّي ابن أَبِي عصرون، ووُلّي المجبي القضاء، وعَظُمَت رُتبته عند صلاح الدّين، وسار إِلَى مصر رسولا من الملك العادل إِلَى الملك الْعَزِيز يحثّه على الجهاد، وعلى قصد الفرنج.
وأوّل ما خطب بالقدس قرأ أوّل شيء الفاتحة، ثُمَّ قرأ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ٦: ٤٥ [١] الآية، ثُمَّ أول الأنعام، والكهف، وحَمْدَلة النَّمل، وأوّل سبإ، وفاطر، ثُمَّ قَالَ: الحمد للَّه مُعِزّ الْإِسْلَام بنصره، ومُذِلّ الشِّرْك بقهره، ومصرّف الأمور بأمره، ومُدِيم النِّعَم بشُكْره، ومُستَدرج الكفّار بمكْره، قدّر الأيّام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله، وأفاد على عباده من ظلّه، وأظهر دينه على الدّين كلّه، القاهر فوق عباده فلا يُمَانَع، والظّاهر على خليفته فلا يُنازَع، والآمر بما شاء فلا يُرَاجع، والحاكم بما يُريد فَلا يُدافَع.
أَحْمَده على إظفاره وإظهاره وإعزازه لأوليائه، ونصره لأنصاره، وتطهير بيته المقدّس من أدناس الشِّرْك وأوضاره، حَمَدَ مَن استشعر الحمْد باطن سرّه وظاهر جهاره، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له الأحد الصَّمَد الّذي لم يَلِد ولم يولَد، ولم يكن له كُفُوًا أحد. شهادة مَن طهَّرَ بالتّوحيد قلبه، وأرْضَى به ربّه. وأشهد أن مُحَمَّدًا عبده ورسوله داحض الشّرك وداحض