للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كثير العبادة، ورِعًا، متمسّكا بالسُّنَّة على قانون السَّلف. ولم يزل بدمشق- يَعْني بعد رجوعه من أصبهان- يحدّث وينتفع به النّاس، إِلَى أن تكلّم فِي الصّفات والقرآن بشيءٍ أنكره عليه أَهْل التّأويل من الفقهاء، وشنّعوا عليه، وعُقِد له مجلسٌ بدار السّلطان، حضره الفقهاء والقُضاة، فأصرَّ على قوله، وأباحوا إراقة دمه فشفع له جماعة إِلَى السّلطان من الأمراء الأكراد، وتوسّطوا فِي القضيَّة على أن يُخرَج من دمشق، فأُخرج إِلَى مصر، وأقام بها خاملا إِلَى حين وفاته.

أخبرنا يعيش بْن ملك الحنبليّ، أَنَا عَبْد الغنيّ. قلت: فذكر حديثا.

قرأتُ بخطّ العلّامة شيخ أصبهان أَبِي مُوسَى المَدِينيّ: يقول أبو مُوسَى عَفَا اللَّه عَنْهُ: قلَّ من قدِم علينا من الأصحاب يفهم هذا الشّأن كَفَهْم الشّيخ الْإِمَام ضياء الدّين أَبِي مُحَمَّد عَبْد الغنيّ بْن عَبْد الواحد المقدسيّ، زاده اللَّه تعالى توفيقا. وقد وُفِّق لتبيين هَذِهِ الغلطات على أنّ فِي الكُتُب المصنَّفة فِي معرفة الصّحابة غير هَذَا من الخطأ، ولا تنفكّ الكُتُب المجموعة فِي ذلك من ذلك، وما ذكره كما ذكره.

إِلَى أن قال: ولو كان الدّار الدَّارَقُطْنِيّ، وأمثاله فِي الأحياء لَصَوَّبوا فِعْله، وقلّ من يفهم فِي زماننا لِما فهمه. كتبه أبو مُوسَى.

قلت: هَذَا كتبه على ظهر كتاب «تبيين الإصابة لأوهامٍ حصلت فِي معرفة الصّحابة» الّذي جمعه الحافظ أبو نُعَيْم. وهو مجلّد صغير أبان فيه عن حِفْظٍ باهر، ومعرفةٍ تامَّة.

وقال الضّياء: ثُمَّ سافر الحافظ إِلَى أصبهان. وكان خرج وليس معه إلّا قليلُ فلوس، فسهّل اللَّه له مَن حمله وأنفق عليه، حتّى دخل أصبهان، وأقام بها مدَّة، وحصّل بها الكُتُب الجيّدة.

وكان ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إِلَى السُّمْرة، حَسَن الثَّغْر، كثّ اللّحية، واسع الجبين، عظيم الخلْق، تامّ القامة، كأنّ النّور يخرج من وجهه.

وكان قد ضعف بصره من كثرة البكاء والنَّسْخ والمطالعة.