قلت: روى عَنْهُ: أخوه الشّيخ الموفّقُ، وولداه الشرف عَبْد الله، والشمس عَبْد الرَّحْمَن، والضّياء مُحَمَّد، والزّكيّ عَبْد العظيم، والشمس ابن خليل، والشّهاب القوصيّ، والزّين ابن عَبْد الدّائم، والفخر عليّ. وآخرون.
قَالَ الضّياء: بَابُ في اجتهاده.
كَانَ لا يكادُ يسمع دعاء إلّا حفِظه ودَعا بِهِ، ولا يسمع ذِكرَ صلاةٍ إلّا صَلَّاها، ولا يسمع حديثا إلّا عَمِلَ بِهِ. وكان يُصلّي بالنّاس في نصف شعبان مائة ركعة وهو شيخ كبير، وكان أنشطَ الجماعة، وكان لا يترك قيامَ اللّيل من وقت شُبُوبِيته، سافرتُ معه إِلى الغزاة فأراد بعضُنا يسهر، ويحرسنا، فَقَالَ لَهُ الشيخ أَبُو عُمَر: نَم. وقام هُوَ يُصلّي. وكذا حَدَّثَني عَنْهُ أَحْمَد بْن يونس المقدسيّ أَنَّهُ قام في سَفَرٍ يُصلّي ويحرسهم.
وسمعتُ آسية بنت مُحَمَّد، وهي الّتي كانت تُلازمه في مرضه، تَقُولُ:
إنّه قلَّل الأكل قبلَ موته في مرضه حتّى عاد كالعود. وقالت: مات وهو عاقد عَلَى أصابعه، يعني يُسَبِّح، وسمعتُها تحدّث عَنْ زوجته أمّ عَبْد الرَّحْمَن، قالت: كَانَ يقوم باللّيل فإذا جاءه النّوم عنده قضيب يضرب بِه رِجله، فيذهب عَنْهُ النّوم، وكان كثيرَ الصّيام سَفَرًا وحَضَرًا.
وحدّثني ولده عَبْد الله: أَنَّهُ في آخر عمره سَردَ الصّوم، فلامه أهله، فَقَالَ:
إنّما أصوم أغتنم أيّامي، لأنّي إنْ ضعفت، عجزت عَنِ الصّوم، وإنْ متَ، انقطع عملي. وكان لا يكاد يسمع بجنازة إلّا حضرها قريبة أو بعيدة، ولا مريضا إلّا عاده، ولا يكاد يسمع بجهاد إلّا خرج فيه. وكان يقرأ في كلّ ليلة سُبعًا من القرآن مرتّلا في الصّلاة، ويقرأ في النّهار سُبعًا بين الظُّهر والعصر، وإذا صلّى الفجر وفرغ من الدّعاء والتّسبيح قرأ آياتِ الحرس وياسين والواقعة وتبارك، وكان قد كتب في ذَلِكَ كرّاسة وهي معلّقة في المحراب، ربّما قرأ فيها خوفا من النُّعاس، ثُمَّ يُقرئ ويلقّن إِلى ارتفاع النّهار، ثُمَّ يُصلّي الضُّحي صلاة طويلة.