قال: وقد كان قبل هذا أقام بالسّوس رجل من جزولة اسمه يحيى بن عبد الرّحمن ابن الجزّارة، فاجتمع عليه خلائق، فسارت إليه عساكر الموحّدين فهزمهم غير مرّة، ثمّ إنّه قتل بعد أن كاد أن يملك ويظهر، وكان يلقّب بأبي قصبة.
وفي سنة إحدى وستّمائة قصد السّلطان أبو عبد الله بلاد إفريقية، وقد كان ابن غانية استولى عليها خلا بجاية وقسنطينة، فأقام أبو عبد الله على المهديّة أربعة أشهر يحاصرها وبها ابن عمّ ابن غانية، فلمّا طال عليه الحصار سلّم البلد، وفرّ إلى ابن عمّه ثمّ رأى الرجوع إلى الموحّدين، فتلقّوه أحسن ملتقى، وقدّموا له تحفا سنية، ثمّ سار إليهم سير أخو ابن غانية فأكرموه أيضا.
قال: وبلغني أنّ جملة ما أنفقه أبو عبد الله في هذه السّفرة مائة وعشرون حمل ذهب. ورجع إلى مرّاكش في سنة أربع وستّمائة، وبقي بها إلى سنة سبع، ففرغ ما بينه وبين الإذفنش ملك الفرنجة من المهادنة، فسار وعبر إلى إشبيلية، ثمّ تحرّك في أول سنة ثمان وقصد بلاد الروم- لعنهم الله- فنزل على قلعة لهم، فافتتحها بعد حصار طويل ورجع، فدخل الإذفنش إلى قاصية الروم يستنفر الفرنج حتّى اجتمعت له جموع عظيمة من الأندلس ومن الشام حتّى بلغ نفيره إلى القسنطينة، وجاء معه البرشنونيّ صاحب بلاد أرغن، فبلغ أمير المؤمنين محمد، فاستنفر الناس في أول سنة تسع، فالتقوا بموضع يعرف بالعقاب، فحمل الإذفنش على المسلمين وهم على غير أهبة. فانهزموا وقتل من الموحّدين خلق كثير. وأكبر أسباب الهزيمة اختلاف نيّات الموحّدين وغضبهم على تأخير أعطياتهم، فبلغني عن جماعة منهم أنّهم لم يسلّوا سيفا، ولا شرعوا رمحا، بل انهزموا، وثبت أبو عبد الله ثباتا كلّيّا، ولولا ثباته، لاستؤصلت تلك الجموع قتلا وأسرا، وذلك في صفر. ورجع الملاعين بغنائم عظيمة، وافتتحوا في طريقهم بياسة عنوة، فقتلوا وسبوا، فكانت هذه أشدّ على المسلمين من الهزيمة.
ونقل أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْجَزَري في «تاريخه» : أنّ الناصر أبا عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف القيسيّ الكوميّ صاحب المغرب توفّي