للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء الهُنْكر إلى بيْسان، وبها الْأسواق والغِلال والمواشي وشيءٌ كثير، فأخذت الفرنج الجميعَ، ورحلوا منها بعد ثلاثة أيّام إلى قُصير الغوْر [١] ، ووصل أوائلهم إلى خَرِبة اللُّصوص والْجَوْلان، وأقَاموا يقْتلون ويسْبون، ثُمَّ عادوا إلى الغَوْر، ونزلوا تحت الطُّور، فأقاموا أيّاما يقاتلون من فيه ويحاصرونهم، وَكَانَ معهم سُلَّم عظيم، فزحفوا ونصبوه، فأحرقه المسلمون بالنِّفط، وقُتل تحته جماعة من أعيان الفرنج، منهم بعض الملوك. واستشهد يومئذٍ الْأمير بدر الدّين مُحَمَّد بن أَبِي الْقَاسِم، وسيف الدّين ابن المَرْزُبان، وَكَانَ في الطُّور أبطال المسلمين، فاتّفقوا على أنّهم يقاتلوا قتال الموت، ثُمَّ رحل الفرنج عَنْهُمْ إلى عكّا، وجاء المُعَظَّم فأطلق لأهل الطُّور الْأموال، وخلعَ عليهم. ثُمَّ اتّفق العادل وابنه المُعَظَّم عَلَى خراب الطُّور كما يأتي.

وأمّا ابن أخت الهنكر فقصد جبل صيدا في خمسمائة من الفرنج إلى جِزّين [٢] ، فأخلاها أهلها، فنزلها الفرنج ليستريحوا، فتحدّرت عليهم الرجال من الجبل، فأخذوا خيولهم وقتلوا عامّتَهم، وأُسر مُقدّمهم ابن أخت الهُنْكر.

وَقِيلَ: إِنَّهُ لم يسْلَم من الفرنج إِلَّا ثلاثة أنفُس.

قُلْتُ: وكثُرت جيوش الفرنج بالسَّاحل، وغنموا ما لا يُوصف، ثُمَّ قصدوا مِصْر لخلُوّها من الجيش، وكانت عساكر الإِسْلَام مُفرقة، ففرقةٌ كانت بالطّور محْصُورين، وفرقةٌ ذهبت مَعَ المُعَظَّم يَزَكًا على القدس عسكروا بنابُلُس، وفرقةٌ مَعَ السّلطان في وجه العدوّ عن دمشق، وأشْرَف المُسلمون عَلَى خطةٍ صَعْبَة، وَكَانَ الملك العادل مَعَ جُبْنٍ فيه، حازما سائسا، خاف أن يلتقي العدوّ وَهُوَ في قلٍّ من النَّاس أن يَنْكسر ولا تقوم للإسلام بعده قائمة، فاندفع بين أيديهم قليلا قليلا حتّى كفى الله شرّهم [٣] .


[١] هو القصر المعروف بقصر ابن معين الدين.
[٢] جزّين: بلدة شرقيّ صيدا، بجنوب لبنان. وقد تصحّفت في المرآة إلى «جزيز» .
[٣] انظر خبر (الفرنج) في: الكامل في التاريخ ١٢/ ٣٢٠، ٣٢١، والتاريخ المنصوري ٧٣، وذيل الروضتين ١٠٢، وتاريخ الزمان ٢٥٢، وزبدة الحلب ٣/ ١٨٠، ومفرّج الكروب ١/ ٢٥٤- ٢٥٧، ومرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٥٨٣، والمختصر في أخبار البشر ٣/ ١١٨، والدرّ المطلوب ١٨٧ و ١٩٠، ١٩١، ونهاية الأرب ٢٩/ ٧٨- ٨١، ودول الإسلام ٢/ ١١٦، ١١٧، وتاريخ ابن الوردي ٢/ ١٣٤، والإعلام والتبيين ٤٧، وتاريخ ابن خلدون ٥/ ٣٤٤، والبداية والنهاية ١٣/ ٧٦، ٧٧، والسلوك ج ١ ق ١/ ١٨٦، ١٨٧، وشفاء القلوب ٢٢٤، ٢٢٥، وتاريخ ابن سباط ١/ ٢٥٩.