للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يمْنعهم، وهذه عادتهم، وأداموا القتال، واشتدّ الْأمرُ عَلَى أهلها، وتعذّرت عليهم الْأقوات وغيرها، وسئموا القتال، لأنّ الفرنج كانوا يتناوبون القتال عليهم لكثرتهم، ولم يكن بدمياط من الكثرة ما يجعلون القتال عليهم بالنُّوبة، وَمَعَ هذا فصبروا صبرا لم يُسْمع بِمِثْلِهِ، وكثُر القتْل فيهم والجراح والموتُ، ودام الحصار عليهم إلى السَّابع والعشرين من شعبان من سنة ستّ عشرة، فعجز من بقي بها عن الحِفظ لقلّتهم، وتعذّر القُوت عليهم، فسَلَّموا بالْأمان، وأقام طائفة عَجزوا عن الحركة.

وبَثّت الفرنج سراياهم ينهبون ويقتلون، وشرعوا في تحصين دمياط وبالغوا في ذَلِكَ، وبقي الكامل في أطراف بلاده يحميها. وتسامعَ الفرنجُ بفتح دمياط، فأقبلوا إليها من كُلّ فجٍ عميق، وأضْحت دارَ هجرتهم، وخافَ النَّاس كافة من الفرنج.

وأشرف الإِسْلَام عَلَى خطَّة خسْف، أقبل التّتار من المَشْرق، وأقبل الفرنج من المغرب، وأراد أهلُ مصر الجلاء عَنْهَا فمنعهم الكامل، وتابع كُتبه عَلَى أخويه المُعَظَّم والْأشرف يحثّهما عَلَى الحضور، وَكَانَ الْأشرف مشغولا بما دَهمَهُ من اختلاف الكلمة عَلَيْهِ ببلاده عند موت القاهر صاحب المَوْصِل. وبقيَ الكاملُ مدَّةً طويلة مُرابطًا في مقابلة الفرنج إلى سنة ثمان عشرة، فنجده الْأشرف. وَكَانَ الفرنج قد ساروا من دمياط وقصدوا الكامل، ونزلوا مقابله وبينهما بحر أُشمون [١] ، وَهُوَ خليج من النّيل، وبقوا يرمون بالمنجنيق والجرْخ [٢] إلى عسكر المسلمين، وقد تيقّنوا هُم وكلُّ النَّاس أَنَّهُم يملكون الدّيار المصريّة.

وأمّا الكامل فتلقّى الْأشرف وسُرَّ بقدومه، وسار المُعَظَّم فقصدَ دِمياط، واتفقَ الْأشرفُ والكاملُ عَلَى قتال الفرنج، وتقرّبوا، وتقدّمت شواني المسلمين، فقابلت شواني الفرنج، وأخذوا للفرنج ثلاث قِطعٍ بما فيها، فقويت النّفوس،


[١] هكذا في الأصل، وفي كامل ابن الأثير ١٢/ ٣٢٨ «أشموم» بالميم. قال ابن دقماق: وهي بضم الألف وسكون الشين المعجمة وفي آخرها ميم، وقيل نون. قاله السمعاني. (الانتصار ٦٨) .
[٢] الجرخ: آلة من آلات الحرب القديمة، وهي قذافة ترمى عنها السهام والنفط (معجم دوزي:
٢/ ١٧٤) .