للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد ذَلِكَ عبروا النَّهْر، فوجدوا الخطا قد كسروا خوارزم شاه، فانضمّ إليهم الخطا وصاروا تبعا لهم. وَكَانَ خُوَارِزْم شاه قد أبادَ المُلوك من مدن خُرَاسَان، فلم يجد التَّتَار أحدا في وجههم، فطووا البلادَ قتْلًا وسبْيًا، وساقوا إلى أن وصلوا إلى همذان وقزوين في هذه السّنة، وتوجّهوا إلى أَذْرَبِيجَان.

وَقَالَ ابن الْأثير في كامله [١] : لقد بقيتُ مدّة معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما، لهما، كارِهًا لذكرها، أُقدّم رِجلًا وأُوَخّر أُخرى، فمن الَّذِي يسهُل عَلَيْهِ أن يكتب نعيَّ الإِسْلَام، فيا ليت أُمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل حدوثها. ثُمَّ حثَّني جماعة عَلَى تسطيرها، فنقول: هَذَا الفصل [٢] يتضمّن ذِكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى الّتي عقمت [٣] الدُّهور عن مثلها، عمّت الخلائق، وخصَّت المُسلمين، فلو قَالَ قائل: إِنَّ العالم منذ خلقَهُ اللَّه إلى الآن لم يُبْتلوا بمثلها، لكان صادقا، فإنّ التّواريخ لم تتضمّن ما يقاربها. ومن أعظم ما يذكرون فعل بُخت نصَّر ببني إسرائيل بالبيت المُقدّس، وما البيت المُقدّس بالنسبة إلى ما خَرّب هَؤُلَاءِ الملاعين؟! وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا؟! فهذه الحادثة الّتي استطار شررُها وعمَّ ضررها، وسارت في البلاد كالسّحاب استدبرته الريحُ، فإنّ قوما خرجوا من أطراف الصّين فقصدُوا بلاد تُركستان، مثل كاشْغر، وبلاشغون [٤] ، ثُمَّ منها إلى بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْد فيملكونها، ويفعلون بأهلها ما نذكره، ثُمَّ تعبُرُ طائفةٌ منهم إلى خُرَاسَان فيفرغون منها مُلْكًا وتخْريبًا وقتْلًا وإبادة إلى الرّيّ وهمذان إلى حدِّ العراق، ثُمَّ يقصدون أَذْرَبِيجَان ونواحيها ويخرِّبونها ويستبيحونها في أقلِّ من سنةٍ، أمرٌ لم يُسمع بِمِثْلِهِ.

ثُمَّ ساروا من أَذْرَبِيجَان إلى دَرْبَنْد شِرْوان فملكوا مُدُنه، ولم يسلم غير القلعة الّتي فيها ملكهم، وعبروا من عندها إلى بلد اللّان واللّكز فقتلوا وأسروا،


[١] الكامل: ١٢/ ٣٥٨ وما بعدها.
[٢] في المطبوع من كامل ابن الأثير: «الفعل» .
[٣] في المطبوع من الكامل: «عقّت» ، وفي نسخة أخرى كما هنا.
[٤] وتكتب «بلاساغون» أيضا. وقد كتب المؤلّف- رحمه الله- في حاشية الأصل: «بلاد شاغون» .