فأخرجوا القاضي بدر الدّين ابن قاضي خان ليطلب لهم الْأمان، فأعطوهم الْأمان، واعتصم طائفةٌ من العسكر بالقلعة، ففتحت أبواب بُخَارَى للتّتار في رابع ذي الحجَّة سنة ستّ عشرة، فدخلت التَّتَار ولم يتعرّضوا إلى أحد، بل طلبوا الحواصل السّلطانيّة، وطلبوا منهم المساعدة عَلَى قتال من بالقلعة، وأظهروا العدل. ودخل جنكزخان، لعنه اللَّه، وأحاط بالقلعة، ونادى في البلد أن لَا يتخلّف أحد، ومن تخلّف قُتل، فحضروا كلّهم لِطَمِّ الخندق، وطَمُّوه بالتّراب والْأخشاب، حَتَّى إِنَّ التَّتَار كانوا يأخذون المنابر وربعات الكتاب العزيز فيُلْقُونها في الخندق، فإنّا للَّه، وَإنَّا إِلَيْهِ راجعون. ثُمَّ زحفوا عَلَى القلعة وبها أربعمائة فارس، فمنعوها اثني عشر يوما، فوصلت النّقوب إلى سورها. واشتدّ القتال، فغضب جنكزخان وردّ أصحابه ذَلِكَ اليوم، وباكرهم من الغد، وجدُّوا في القِتَال، فدخلوا القلعة، وصدَقَهُم أهلها [١] حتّى قتلوا عن آخرهم. ثمّ أمر جنكزخان أن يُكتب لَهُ رءوس البلد، ففعلوا، ثُمَّ أحضرهم فَقَالَ: أريد منكم النُّقْرة الّتي باعكم خُوَارِزْم شاه فإنّها لي. فأحضر كلُّ من عنده شيء منها، ثُمَّ أمرهم بالخروج من البلد، فخرجوا مُجَرَّدين، فأمر التَّتَار أن ينهبوا البلد، فنهبوه، وقتلوا مَنْ وجدوا بِهِ. وأمر التّتار أن يقتسموا المُسلمين، فتمزّقوا كل مُمُزَّق، وأصبحت بُخَارَى خاوية عَلَى عروشها، وسبوا النِّساء. ومن النَّاس من قاتل حَتَّى قُتل، وكذا فعل الإمامُ ركن الدّين إمام زاده، والقاضي صدر الدّين وأولادهم. ثُمَّ ألقت التَّتَار النّار في البلد والمدارس والمساجد. وعذَّبوا الرؤساء في طلب المال.
ثُمَّ رحلوا نحو سَمَرْقَنْد وقد تحقَقَّوا عجز خُوَارِزْم شاه عَنْهُمْ، واستصحبوا أُسارى بُخَارَى معهم مُشاة في أقبح حالٍ، ومن عجز قتلوه، فأحاطوا أَيْضًا بسمرقند، وبها خمسون ألف مقاتل، فخرج إليهم الشُّجعان من الرَجالة وغيرهم، فانهزموا لهم وأطمَعُوهم، ولم يخرج من الخمسين ألف أحدٌ لَمَّا قد وَقَر في قلوبهم من الرُّعب، وَكَانَ التَّتَار قد أكمَنُوا لهم، فَلَمَّا جازت الرِّجال ذَلِكَ الكمين، خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبين البلد، فلم يسْلَم منهم أحد.