للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصاروا يتكرّرون عليه، كلّما مرّ بقوم سبقوه وعادوا وقفوا بين يديه، فَلَمَّا دخل في ولاية دقوقا عُبئ لَهُ من العساكر أضعاف ذَلِكَ وصاحبها من مماليك الخليفة، فأمر أن تضرب خيمٌ عظيمةٌ، وبسط بين يديها بسطا قد نصف فرسخ، ونُصبت سُدَّة عالية فوق تخت يُصعد إِلَيْهِ بدرج، وأظهر زينة عظيمة، ووقف عشرون ألفا بسيوفٍ مجرّدة. فَلَمَّا وصل الرَّسُول يشقّ تِلْكَ العساكر أتى حدّ البُسط، فأُمر أن يترجّل فتمنّع من ذَلِكَ، فهمُّوا بِهِ، فَلَمَّا وصل إلى بين يدي التّخت، أُمر بالسّجود كُرهًا والصَّيْحات تأخذُه، وروعات السّيوف تذهله. ثُمَّ أُخرج إلى بَغْدَاد فلقيته عساكر بَغْدَاد، صغّرت في عينه ما رَأَى، لم يتركوا ببغداد فرسا ولا جملا ولا حمارا حَتَّى أركبوه رجُلًا ومعه شيء من السّلاح، وأكثرهم بالْأعلام والبَرْك أسطوانات [١] ، وخلقٌ يلعبون بالنِّفط ويرمون بالبُنْدق الزّجاج فيه النِّفط، فامتلأت البَرّية بالنِّيران. فَلَمَّا وصل إلى بَغْدَاد خرج إِلَيْهِ صميم العسْكر بأصناف العُدد الفاخرة المُسجّفة بالْأطلس المكلّل بالجواهر عَلَى الخيل المسوَّمة. فَلَمَّا وصل إلى باب النّوبيّ إلى الصّخْرة التي يُقبّلها المُلوك قِيلَ لهم: مرتبتكم دون ذَلِكَ، فأُمر أن يُقبّل أسفل منها، ثُمَّ حُمل إلى دار، ثُمَّ أُخرجوا باللّيل خُفية عَلَى طريق غير مسْلوكة، ورُدُّوا إلى إربل، وَقِيلَ للرسول: إنُما هرَّبناك في الخُفية خوْفًا عليك من العامّة، ففصل وقد امتلأ قلبه رُعبًا ودماغه خبالا، وأبثَّ قومه ما أثبته عيانه، فعلموا أَنَّهُم لَا قبل لهم ببغداد، فرجعوا خائبين.

وأمّا أهل أصبهان ففتحوا أبواب المدينة، وقالوا لهم: ادخلوا، فدخل منهم قوم، فما شربوا أنفاسهم حتّى أهريقت دماؤهم، فكرُّوا راجعين. وكذلك فعل أهل رُسْتاقاتهم.

قَالَ: وسُئل الملكُ الْأشرف عَنْهُمْ، فَقَالَ: ما أقول في قومٍ لم يؤخذ منهم أسير قطُّ، لكن يُقاتل إلى أن يُقتل أَوْ يَخْلُص. وَلَمَّا وصلت إلى أرزن الرّوم وجدتُ هذه الكلمة قد سيَّرها ملك الكُرْج فيما وصف من حروبهم، وأمّا قتلاهم


[١] وتسمى: «البركستوان» وتجمع بالألف والتاء، قال دوزي: ورد ذكرها في تاريخ المماليك حيث ترجمها كاترمير بما معناه: جل مزركش. (انظر معجم دوزي: ١/ ٣٠٨) .