للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السِّنْد، ويختفي بمن معه في بعض الجبال والآجام، ويعيشوا من الغارات. واعتقد الهُنود أَنَّهُ وقومه من التَّتَار، فتأخّر جلال الدّين بمن معه من الجبل، وتقدَّم ملكُ الهند بجمعه، فَلَمَّا رَأَى جلال الدّين حمل عَلَيْهِ ملك الهند بجيشه، وثبت لَهُ جلال الدّين إلى أن قاربه، فاستوفَى عَلَيْهِ بسَهْم في فؤاده فسقط قتيلا وانهزم جيشه، وحاز جلالُ الدّين الغنائم والْأموالَ فعاشَ بذلك.

ثُمَّ رحل إلى سِجْستان، وأخذ ما لَهُ بها من الأحوال، وأنفق فيمن معه، وتماثل أمره [١] .

وَقَالَ القاضي ابن واصل [٢] : كَانَ جلال الدّين بغَزْنة في ستّين ألفا، فقصدَهُ عسكر جنكزخان في اثني عشر ألفا فكَسَرهم. فسيَّر جنكزخان مَعَ ابنه عسكرا، فوصل إلى كابُل، فالتقى الجمعان فاقتتلوا قتالا عظيما فانهزمت التَّتَار، وقُتل خلْق وأُخذت أموالُهم، ثُمَّ جرت فتنة لِما يريده اللَّه، وَهُوَ أَنَّ الْأمير سيف الدّين بُغراق التّركيّ كَانَ شجاعا مِقْدامًا، وقع بينه وبين قرابةٍ للسّلطان أمير فتنة لأجل الغنيمة، فاقتتلوا فقُتل أخو بُغراق فغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا أهزم الكُفَّار ويُقتل أخي عَلَى السُّحت. وفارقَ العَسْكَر وقصدَ الهِند فتبعه شطرُ الجيش فلاطَفَهُ السُّلْطَان جلال الدّين، وسار بنفسه إِلَيْهِ، وذكر الجهادَ وخَوَّفه من اللَّه، وبكى بين يديه فلم يرجع، وسارَ مُغاضبًا. فوصل الخبر بوصول جنكزخان في جموعه، فنحيّر السُّلْطَان وسارَ فوصل إلى ماء السِّنْد، وَهُوَ نهر كبير، فلم يجد من السُّفُن ما يعبر فيه. وتبعه جنكزخان وألَحَّ في طلبه، فالتقى الجمعان واشتدَّ الحربُ حَتَّى قِيلَ: إِنَّ ما مضى من الحروب كَانَ لعبا بالنّسبة إِلَيْهِ، ودامَ القتالُ ثلاثة أيّام، وقُتل خلْقٌ من الفريقين وفي التَّتَار أكثر، فتحيَّز التَّتَر ونزلوا [٣] . وضعف المسلمون، وجاءتهم سفن فعبروا فيها، وما علموا بما أصاب التَّتَار من القَتْل والجراح، ولو عرفوا لكدّوا عليهم،


[١] انظر خبر الحرب في: سيرة جلال الدين ١٢٣ وما بعدها، والمختار من تاريخ ابن الجزري ١١٠- ١١٢، والعبر ٥/ ٨٢، وتاريخ مختصر الدول ٢٤٨، ودول الإسلام ٢/ ٩٢، والمختصر في أخبار البشر ٣/ ١٢٨، وتاريخ الخميس ٢/ ٤١٢.
[٢] في مفرج الكروب ٤/ ٦١ وما بعدها.
[٣] أي نزلوا على بعد، كما في الكامل ١٢/ ٣٩٧.