للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ ذا شجاعة وإقدام. وَكَانَ سفّاكا للدماء في أوائل أمره، ثُمَّ قصر عن ذَلِكَ وأحسن إلى الرّعية. وَكَانَ ذكيّا فطنا، حسن النّادرة، قَالَ لَهُ الحلّيّ الشَّاعِر مرةُ في المنادمة وَهُوَ يعبث بِهِ ورادٌ عَلَيْهِ، فَقَالَ: انظم؟! يتهدّده بالهجو، فَقَالَ السُّلْطَان: انثر، وأشار إلى السيف [١] .

وقال أبو المظفّر سبط ابن الْجَوْزيّ [٢] : كَانَ الظّاهر مهيبا، لَهُ سياسة وفِطنة، ودولته معمورة بالعلماء والفُضلاء، مزيّنةٌ بالملوك والْأمراء. وَكَانَ مُحسنًا إلى الرعيّة وإلى الوافدين عَلَيْهِ، حضر مُعظم غزوات أَبِيهِ، وانضمّ إِلَيْهِ إخوته وأقاربه، وكان يزور الصّالحين ويفتقدهم. وَكَانَ يتوقّد ذكاء وفطنة. تُوُفِّي في العشرين من جُمَادَى الآخرة بعلَّة الذّرب، وقام بأمر ابنه طُغريل أتابك العَسْكَر أحسن قيام.

وَقَالَ أَبُو شامة [٣] : أوصى في مرضه بالسّلطنة لابنه مُحَمَّد، لِأَنَّهُ كَانَ من بنت عمّه الملك العادل، وطلب بذلك استمرار الْأمر لَهُ لأجل جَدّه وأخواله، وجعل الْأمر من بعده لولده الْأكبر أَحْمَد، ثُمَّ من بعده الملك المنصور مُحَمَّد ابن الملك العزيز عُثْمَان، أخيه، وفوّض القلعة إلى طُغريل خادم روميّ أبيض، وَكَانَ مشتهرا بالزّهد، فصار لَهُ عنده مكانة. وعاش الظّاهر خمسا وأربعين سنة، ونُقل فدفن بمدرسته الّتي أنشأها بحلب.

قَالَ ابن واصل [٤] : لَمَّا اشتدّ بِهِ المرض، قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يفيق ويتشهّد وَيَقُولُ: مَا أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ٦٩: ٢٨- ٢٩ [٥] اللَّهمّ بك أستجير، وبرحمتك أثق. وَلَمَّا مات كُتم خبره حَتَّى دُفن بالقلعة، وسكن النَّاس. ثُمَّ أخرج الْأتابك طُغريل ولديه من باب القلعة وعليهما السّواد، فَلَمَّا رآهما الْأمراء وقعوا عن خيولهم وكشفوا رءوسهم، وقُطعت الشعور، وضجّوا ضجّة واحدة، وفعل


[١] انظر الخبر في مفرج الكروب ٣/ ٢٤٣، ٢٤٤.
[٢] في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٥٧٩.
[٣] في ذيل الروضتين ٩٤.
[٤] في مفرّج الكروب ٣/ ٢٤٠- ٢٤٢.
[٥] سورة الحاقّة: الآية ٢٩.