وَكَانَ أكولا نَهِمًا، يحبّ الطّعام واختلاف ألوانه. وَكَانَ أكثر أكله في اللّيل، كالخيل، وَلَهُ عند ما ينام آخر الأكل رضيع، ويأكل رِطْلًا بالدّمشقيّ خبيص السُّكَّر يجعل هَذَا كالجواشِن.
وَكَانَ كثير الصَّلَاة، ويصوم الخميس، وَلَهُ صدقات في كثير من الْأوقات، وخاصة عند ما تنزل بِهِ الآفات. وَكَانَ كريما عَلَى الطّعام يحبّ من يؤاكله.
وَكَانَ قليل الْأمراض، قَالَ لي طبيبه بمصر: إنّي آكل خُبز هَذَا السُّلْطَان سنين كثيرة، ولم يحتج إليَّ سوى يوم واحد: أُحضر إِلَيْهِ من البطّيخ أربعون حملا، فكسَرَ الجميع بيده، وبالغ في الْأكل منه، ومن الفواكه والْأطعمة، فعرض لَهُ تُخمة، فأصبح، فأشرت عليه بشرب الماء الحار، وأن يركب طويلا، ففعل، وآخر النّهار تعشَّى، وعاد إلى صحّته.
وَكَانَ نكّاحا، يكثر من اقتناء السَّراري. وَكَانَ غيورا، لَا يدخل داره خصيّ إِلَّا دون البلوغ. وَكَانَ يحبّ أن يطبخ لنفسه، مَعَ أَنَّ في كلّ دار من دُور حظاياه مطبخ دائر. وَكَانَ عفيف الفَرْج لَا يُعرف لَهُ نظر إلى غير حلائله.
نجب لَهُ أولاد من الذّكور والإناث، سَلْطَن الذّكور وزوّج البنات بملوك الْأطراف. آخر ما جرى من ذَلِكَ بعد وفاته: أَنَّ ملك الرّوم كَيْقُباذ خطب إلى الملك الكامل أخته، واحتفل احتفالا شديدا، واجتمع في العرس ملوك وملكات.
وَكَانَ العادل قد أوقع اللَّه بُغضته في قلوب رعاياه، والمخامرة عَلَيْهِ في قلوب جُنده، وعملوا في قَتْله أصنافا من الحيل الدّقيقة مرّات كثيرة. وعند ما يُقَال: إِنَّ الحيلة قد تمّت، تنفسخ، وتنكشف، وتحسم موادّها. ولولا أولاده يتولّون بلاده لَمَا ثبت ملكه بخلاف أخيه صلاح الدِّين فَإِنَّهُ إنّما حفظ ملكه بالمحبَّة لَهُ، وحُسن الطّاعة، ولم يكن- رحمه اللَّه- بالمنزلة المكروهة، وإنّما كَانَ النَّاس قد ألفوا دولة صلاح الدِّين وأولاده. فتغيّرت عليهم العادة دفعة واحدة، ثُمَّ إنّ وزيره ابن شُكر بالغ في الظُّلم وتفنَّن.
ومن نيّاته الجميلة أَنَّهُ كَانَ يعرف حقَّ الصُّحبة، ولا يتغيّر عَلَى أصحابه، ولا