للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَرْخَدَ، وأقام بها قليلا. فمات العزيزُ بمصر، وقام ولدُه المنصور مُحَمَّد وهُوَ صبيٌّ، فطلبوا لَهُ المَلِكَ الأفضلَ ليكون أتابَكَه، فَقَدِمَ مصر، ومشى في ركاب الصبيّ.

ثمّ إنّ العادل عَمِلَ على الأفضل، وقَدِمَ مصر وأخذها، ودفع إلى الأفضل ثلاثة مدائن بالشرق، فسار إليها، فلم يحصل لَهُ سوى سُمَيْسَاطَ، فأقام بها مُدَّة. وما أحسن ما قال القاضي الفاضل [١] : أمّا هذا البيت، فإنّ الآباء منه اتفقوا، فملكوا، والأبناءَ منه اختلفوا، فَهَلَكُوا. وقيل: كَانَ فيه تشيُّعٌ. ولَمّا عَمِلَ عمُّه العادل أبو بكر قال:

ذي سُنَّةٌ بَيْنَ الأَنَامِ قَدِيمَةٌ ... أَبَدًا أبو بكرٍ يَجُورُ عَلَى عَلِي

وكتب إلى الخليفة:

مَوْلاي إنَّ أبا بَكْرٍ وصَاحِبَه ... عُثْمَانَ قَدْ غَصَبَا بالسِّيفِ حَقَّ عَليّ

وهُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ وَلَّاهُ والِدُه ... عَلَيْهِما واسْتَقَامَ الأَمْرُ حِينَ وَلِي

فَحَالَفَاهُ وَحلَّا عَقْدَ بَيْعَتِهِ ... والأَمْرُ بَيْنَهُمَا والفصُّ فيه جَلِيّ

فأنْظُر إلى خَطِّ هذا الاسمِ كَيْفَ لَقِي ... مِنْهُ الأَوَاخِرُ مَا لاقى مِنَ الأُوَلِ [٢]

فجاءه في جواب النّاصر لدين الله:

وَافي كِتَابُك يا بن يوسُف مُعْلِنًا ... بالوُدِّ يُخْبِرُ أنَّ أصْلَكَ طَاهِرُ

غَصَبُوا عليا حَقَّه إذْ لَمْ يَكُنْ ... بَعْدَ النَّبيِّ لَهُ بِطَيْبَةَ نَاصِرُ

فابْشِرْ فإنَّ غدا عليه حِسَابُهم ... واصْبِرْ فَنَاصِرُك الإِمامُ النّاصرُ [٣]

وقيل- ولم يَصحّ- إنَّه جَرَّدَ سبعين ألفا لِنصرته. فجاءه الخبرُ أنَّ الأمر قد فات، فَبَطَل التّجريدُ.

قال ابن الأثير في «تاريخه» [٤] : ولم يملك الأفضلُ مملكة قَطُّ إلا وأخذها منه عمُّه العادل، فأوَّل ذلك أنّ أباه أقطعه حَرَّان ومَيَّافَارْقِينَ سَنَة ستّ وثمانين وخمسمائة، فسار إليها، فأرسل إليه أبوه، وردَّه مِن حلب، وأعطى


[١] «وفيات الأعيان» : ٣/ ٤٢٠.
[٢] الأبيات في: المغرب في حلى المغرب.
[٣] الأبيات في: تاريخ مختصر الدول لابن العبري، والمغرب في حلى المغرب.
[٤] الكامل في التاريخ ١٢/ ٤٢٨.