للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: ليس غرضُنا أن يقال: برزَ مرسومٌ أو نفذ مِثال [١] ، ثمّ لا يبين لَهُ أثرٌ، بل أنتُم إلى إمام فَعَّالٍ أحوجُ منكم إلى إمام قَوَّال، فقرأَهُ الوزيرُ، فإذا في أوله:

اعلموا أنَّه ليسَ إمهالُنا إهمالا، ولا إغضاؤُنا إغفالا، ولكن لِنَبْلُوَكُم أيُّكم أحسنُ أعمالا، وقد عفونا لكم عمّا سَلَف من أخرابِ البلاد، وتشريدِ الرعايا، وتقبيح السُّمْعَة، وإظهارِ الباطل الجليِّ، في صورة الحقّ الخَفِيّ حيلة ومَكِيدةٍ، وتسميةِ الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسلٍ وأنياب أسدٍ مَهيب، تتّفقون بألفاظٍ مختلفة على معنى واحدٍ وأنتم أُمناؤه وثقاتُه، فتُميلون رأيَه إلى هواكم، فَيُطيعكم وأنتم لَهُ عاصون.

والآن فقد بَدَّل اللهُ بخوفكم أمنا، وَبِفقركم غِنًى، وبباطلكم حقّا، ورزقكم سُلطانًا يُقِيلُ العَثْرَةَ، ولا يُؤاخذ [٢] [١] إلّا مَنْ أَصَرَّ، ولا ينتقِمُ إلّا ممّن استمرَّ، يأمُرُكم بالعَدْلِ وهُوَ يُريده منكم، وينهاكُم عن الْجَوْرِ ويكرهُه لكم، يخافُ الله ويخوِّفكم مَكْرَهُ، ويرجو الله ويرغَّبكم في طاعتِه. فإن سلكتُم مسالك نواب خلفاءِ الله في أرضه وأمنائِهِ على خَلْقه، وإلّا هلكتُم، والسلام.

قال: ولَمّا تُوُفّي وُجِد في بيتٍ من داره ألوفُ رقاعٍ كلّها مختومة لم [يفتحها] [٣] فقيل لَهُ: لِم لا تفتحها؟ قال: لا حاجةَ لنا فيها، كلّها سعايات.

وقال أبو شامة في «تاريخه» [٤] : وكان أميرُ المؤمنين أبو نصر، جميلَ الصورة، أبيضَ مُشْربًا حُمرة، حُلْوَ الشَّمائِل، شديد القوى، بويع وهو ابن اثنتين وخمسين سنة. فقيل له: ألا تتفسّح؟ قال: قد لقس [٥] الزرع، فقيل:

يبارك الله في عمرك، قال: من فتح دكانا بعد العصر أيش يكسب؟ ثمّ إنَّه أحسن إلى الناس، وفرَّق الأَموال، وأبطلَ المكوس، وأزالَ المظالم.

وقال أبو المظفّر الجوزيّ [٦] : حُكي لي عنه: أنَّه دخل إلى الخزائن،


[١] في المطبوع من «الكامل» : «مناك» ولا معنى لها، فهي تصحيف.
[٢] كتب أولا: «يؤاخذكم» ثم ضرب على الكاف والميم.
[٣] إضافة من «الكامل» سها عنها المؤلف- رحمه الله-.
[٤] في ترجمة أبيه الناصر من «ذيل الروضتين» : ١٤٥.
[٥] اللقس: الجرب. وفي «ذيل الروضتين» : «قد فات الزرع» .
[٦] في «مرآة الزمان» : ٨/ ٦٤٣.