للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عديمَ الالتفات إلى ما يرغبُ فيه المُلوكُ من الأُبَّهَة والتَّعْظيم، وينهى نوابَه عن مُزَاحمة الملوك في طلوع العَلَم على جبل عرفات. وكان يركب وحدَه مِرارًا عديدة، ثمّ يتبعه غِلْمانُه يتطاردون خلفه. وكان مُكرمًا لأصحابه كأَنَّهُ واحدٌ منهم، ويُصلِّي الْجُمُعة في تربة عَمِّه صلاح الدِّين ويمشي منها إلى تُربة أبيه.

تُوُفّي في سَلْخ ذي القِعْدَة سَنَةَ أربعٍ، ودفن بالقلعة، ثمّ نقل إلى تربته ومدرسته بقاسيون، سامحه الله.

ونقلت من خطِّ الضّياء قال: كَانَ شُجاعًا، فَقِيهًا، وكان يشرب المُسْكِرَ [١] ويجوِّزَ شُرْبَهُ!، وكان ربّما أعطى العَطاء الكثير لمن لا يشرب حَتّى يشربه. وأَسَّسَ ظُلمًا كثيرا ببلاد الشام، وأَمَرَ بخراب بيت المقدس، وغيرها من الحُصون.

وقال ابن الأثير [٢] : كَانَ عالما بعدَّة علومِ، فاضلا فيها، منها: الفقه، ومنها علمُ النَّحْو، وكذلك اللّغة. نَفَق العِلْمُ في سُوقِهِ وقصدَهُ العُلماء من الآفاق فأكرَمَهُم وأعطاهم، إلى أن قال: لم يسمع أحدٌ منه ممّن يصحبه كلمة نزقة. وكان يقول كثيرا: اعتقادي في الأُصول ما سطَّره أبو جعفر الطّحاويّ.

وأوصى أن يُدفن في لحدٍ، وأن لا يُبنَى عليه بناءٌ، بل يكون قبره تحتَ السماء، وكان يقول في مرضه: لي عند اللِه في أمر دمياط ما أرجو أن يرحمني به.

وقال ابن واصل [٣] : كَانَ جُند المعظّم ثلاثة آلاف فارس لم يكن عند أحد من إخوته جُند مثلهم في فرط تَجَمُّلِهم، وحُسنِ زَيِّهم، فكان بِهذا العَسْكر القليل يُقاوم إخوتَهُ، فكان الكاملُ يخافه لِما يتوهَّمهُ من مَيْل عَسْكر مِصْرَ إليه لِما يعلمونه من اعتنائه بأمر أَجناده. وكان المُعَظَّمُ يخطب لأخيه الكامل في بلاده، ويضرب السكّةَ باسمه، ولا يذكر اسمَه مع الكامل. وكان مع شهامته، وعِظَم هيبته قليل التّكلّف جِدًّا، لا يَرْكَبُ في السَّنَاجق السلطانية في غالب


[١] يعني المختلف فيه، لا المتفق على تحريمه.
[٢] في «الكامل» : ١٢/ ٤٧٢.
[٣] في «مفرج الكروب» : ٤/ ٢٠٩- ٢١٠ بتصرف.