إلى أن قال شيخنا أبو حيّان: وأبو عبد الله الأَبَّار متى عرض لَهُ في «تاريخه» ذُكِرَ أبي القاسم بن عيسى يحذِّر منه حَتّى إنَّه ذكره في موضع وقال:
إنما أكرّر الكلام عليه ليُحْذَر منه، أو قريبا من هذا المعنى أو نحوه. وذكر أيضا أنَّه نَسَبَ دواوين شِعْر لناسٍ ما نظموا حرفا قطُّ ولا عُلِمَ ذلك منهم.
ثمّ قال أبو حيّان: فانظر إلى ابن عيسى كيف ادَّعى أنَّه قرأ على ابن سَعادة القرآنَ بنحوٍ من خمسين كتابا!! وأنه قرأ منها أربعة وثلاثين كتابا؟! ونسبته إلى الرواية عن هؤلاء المشايخ الذين ما ذكر أحدٌ أنَّه روى عن واحد منهم، بل أكثر ما ذكر لَهُ الأَبَّار رجلانِ من أهلِ الأندلس ابن نمارة، وابن سَعْد الخير- نعوذُ باللَّه من الكَذِب والخِذْلان- وآخر من روى القراءات تلاوة عن واحد عن أبي عَمْرو الدّانيّ فيما علمنا أبو الحَسَن بن هُذَيْل، وتُوُفّي سنة أربع وستين وخمسمائة، فكيف يكون ابن سعادة يُحَدِّث بالتّلاوة عن واحد عن أبي عمرو وكان حيّا في سَنَة ثلاثٍ وسبعين؟ ورُبّما عاش بعد ذلك سنين.
قال: وأما الرجل الآخر الّذي روى عنه أبو القاسم بن عيسى القراءات، فهو أبو الحَسَن مقاتل بن عبد العزيز بن يعقوب، قال: قرأتُ عليه «التّجريد» لابن الفحَّام وبما تضمّنه، حدَّثني به عن مؤلِّفه. وبهذا السند قرأتُ عليه مفرداته العَشْرَ، وقرأت عليه كتاب «تلخيص العبارات» لابن بَلّيمة، وتلوتُ عليه بما تضمّنه، حدّثني به عن مؤلّفه، وتلوتُ عليه بكتاب «العنوان» ، حدَّثني به عن الحَسَن بن خَلَف، عن مؤلّفه، وعن ابن مؤلّفه، عن أبيه. قال ابن عيسى:
وتلوت عليه وعلى غيره من المقرءين بكتب كثيرة لا تسع هذه الإجازة، وهي مذكورة في كتاب «التّبيين في ذِكر من قرأ عليه ابن عيسى من المقرءين» . ومن هذه الكتب والكتب التي بقيت ولم نذكرها التي تلوتُ بها على بقية شيوخي هي التي خرَّجت منها سبعةَ آلاف رواية التي تلوتُ بها.
قال أبو حيّان: ومقاتل بن عبد العزيز- هذا الّذي ذكره- أنَّه روى عن ابن الفحَّام، وابن بَلِّيمة لا نعمله إلّا مِن جهة ابن عيسَى فينبغي أن يبحث عن مقاتل أكان موجودا؟ وليس ذلك، لأن يَصِحَّ إسنادُ ابن عيسى عنه، فإنَّ إسنادا فيه ابن عيسى لن يصحَّ أبدا.