للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملازمتي لعمادِ الدّين فِي مرضِه، فإنَّه ما خَرَجَ من القاهرة إلّا فِي محفةٍ [١] .

ثم إنّ الجواد رَسمَ عَلَيْهِ فِي الباطن ومنعه الركوب، واجتمع بِهِ وقال: إذا أخذتم منّي دمشق وأعطيتموني الإسكندرية، فلا بُدَّ لكم من نائب بدمشق فاحسبوني ذَلِكَ النّائب، وإلّا فقد نفَّذتُ إلى الصالح نجم الدّين أُسَلِّم إِلَيْهِ دمشق، وأذهب إلى سنجار. فقال: إذا فعلت هذا، أصلحت بين الصالح وأخيه العادل، وتبقى أنت بغير شيءٍ. فقام مغضبا، وقصَّ عَلَى أسد الدّين ما جرى، فقال لَهُ:

والله لئن اتَّفَقَ الصّالحُ والعادلُ ليتركونا نشحذ فِي المخالي. فجاء أسدُ الدّين إلى عماد الدّين وقال: مصلحةٌ أن تكتب إلى العادل تستنزله عن هذا الأمرِ. فقال:

حتّى أروح إلى مقام بَرْزَة وأُصلّي صلاةَ الاستخارَة. فقالَ: تروحُ إلى بَرْزة وتهربُ إلى بَعْلَبَكَّ؟ فغَضبَ من هذا. ثمّ اتّفق شِيركُوه والجوادُ عَلَى قتله. وسافرَ شيركوه إلى حمص، ثمّ بعثَ الجوادُ يَقُولُ: إنْ شئْتَ أن تركَب وتتنزَّه، فاركَبْ، فاعتقد أن ذَلِكَ عن رضى، فَلَبِسَ فَرَجيَّة وبعَثَ إِلَيْهِ بحصانٍ، فلمّا خَرَجَ من باب الدّار، وقابله النصرانيُّ بيده قصَّةٌ فاستغاث، فأراد حاجبه أن يأخذها، فقالَ: لَا، لي مَعَ الصاحب شغلٌ. فقال عماد الدّين: دعوه، فتقدّم إِلَيْهِ وناوَلَه القصَّة، ثمّ ضَرَبه بسكِّينٍ عَلَى خاصرته بدَّد مصارينَه، وَوَثَب آخُر يضربه عَلَى ظهره بسكّين، فرُدّ إِلَى الدّار مَيْتًا. وأخذ الجوادُ جميعَ تَركَتِه، وعَمِلَ محضرا يتضمَّنُ أنّه ما مَالأ عَلَى قَتْلِه، وبَعَثَ إلى أَبِي، فقال: اطْلَعْ، فجهزِ ابن أخيك، فجَهَّزْناه، وأخرجناه.

وكانت له جنازة عظيمة، ودفنّاه بقاسيون في زاوية الشّيخ سعد الدّين ابن حمّويه.

وعاش ستّا وخمسين سنة.

وقد كتب مرّة عَلَى تقويم:

إذا كَانَ حُكْمُ النَّجْمِ لَا شَكَّ واقعا [٢] ... فما سَعْيُنا فِي دَفْعِه بنجيحِ

وإنْ كانَ بالتّدبيرِ يُمكنُ ردُّهُ ... عَلِمْنا بأنّ الكلّ غير صحيح


[١] زاد في المرآة: «كنت كما قيل:
إن يطبخوا يوسعوني من دخانهم ... وليس يبلغنا ما تنضج النار
[٢] في المرآة: «واقع» وهو غلط.