شيخ الطبِّ بالشام. لَهُ القَدَم والاشتهارُ عند الخاصّ والعامّ. ولم يزل مُبَجّلًا عندَ الملوكِ. وكانَ كبيرَ النفسِ، عاليَ الهِمَّة، كثيرَ التّحقيق، حسن السيرة، مُحبًا للخير، عديمَ الأذيَّة.
كانَ أَبُوهُ من الرَّحبة كحَّالًا، فوُلِدَ لَهُ رضيّ الدّين بجزيرة ابن عُمَر، وأقامَ بنَصيبين مدّة، وبالرّحبة. وقدم بعدَ ذَلِكَ دمشق مَعَ أَبِيهِ فِي سنة خمس وخمسين وخمسمائة. ثمّ بعد مدّة تُوُفّي أَبُوه بدمشق، وأقبلَ رضيُّ الدّين عَلَى الاشتغال.
والنّسخ، ومعالجة المرضى. واشتغل على مهذّب الدّين ابن النقاش ولازَمَه، فنوَّه بذكرِه وقدَّمهُ. ثمّ اتّصل بالسلطان صلاحِ الدّين، فحسن موقعُه عنده، وأطلقَ لَهُ فِي كلّ شهر ثلاثين دينارا، وأن يكون مُلازمًا للقلعةِ والبيمارستان. ولم تَزَلُ عَلَيْهِ إلى أيامِ المعظّم، فنقّصه النّصف، ولم يَزَلْ متردّدا إلى المارستان إلى أن مات.
وقد اشتغلَ عَلَيْهِ خلقٌ كثيرٌ، وطالت أيامه، وبقيَ أطباءُ الشام تلامذته. ومن جملةِ من قرأ عَلَيْهِ أولا مهذبُ الدّين عَبْد الرحيم.
قَالَ ابن أَبِي أصَيْبعة: حدَّثني رضيُّ الدّين الرَّحبيّ قَالَ: جميعُ من قرأ عَلِيّ سُعِدُوا، وانتفعَ الناس بهم- ثم سمّى كثيرا منهم قد تمَيَّزوا- وكان لَا يُقرئ أحدا من أهلِ الذمةِ، ولم يقرئ فِي سائرِ عُمُرهِ منهم سوى اثنينِ، أحدُهم عمرانُ الإسرائيليُّ، والآخرُ إِبْرَاهِيم السامريُّ بعد أن تشفّعا وثقّلا عَلَيْهِ، وكلّ منهما نبغَ، وتميزَ، وكتب. قد قرأتُ عَلَيْهِ في سنة اثنتين وثلاث وعشرين وستمائة كتبا فِي الطّبّ، وانتفعتُ بِهِ. وكان مُحبًا للتّجارة مغرى بها. وكان يُراعي مِزاجَه، ويعتني بنفسه، ويحفظُ صحّته. وكان لَا يصعدُ فِي سُلم، وإذا طُلب لمريضٍ، سألَ عن ذَلِكَ أوّلا. ويطلُعُ إلى بُستانه يومَ السبت يتنزهُ. وكان الصاحب صفيّ الدّين ابن شكر يَلزَمُ أكْل الدّجاج، فشحب لونُه، فقال لَهُ رضيّ الدّين يوما: الزم لحمَ الضأن وقد ظهر لونُك، ألا ترى إلى لوِن هذا اللّحم ولونِ هذا اللّحم؟ قَالَ: فلَزِمه،
[١] تصحّفت النسبة إلى: «الرخّي» بتشديد الخاء المعجمة، في (شذرات الذهب لابن العماد ٥/ ١٤٧) وقال: نسبة إلى الرخ ناحية بنيسابور، وذكر أبا الحجّاج يوسف بن حيدرة.