سَمِعَ وخرَّجَ وكتبَ الكثيرَ وصنَّفَ ورتَّب «مُسند» الْإمَام أَحْمَد عَلَى أبواب الفقِه والأحكام. وصنَّفَ كتابا آخرَ فِي ثمانِ مجلداتٍ سمَّاه «روضة المذكّرين وبهجة المحدّثين» . وسَمِعَ من أَبِي جعفر محمد بن أحمد الصّيدلانيّ، وأبي الفضائل العبد كويّ، ومحمود بْن أَحْمَد الثَّقفيّ، وطبقتهم.
وقد تفرَّدَ القاضي تقيّ الدّين سُلَيْمَان بالرواية بحكمِ الإجازة المحقّقة عن هؤلاء المذكورين، وعن خَلقُ سواهم أذِنُوا لَهُ ولغيره فِي الرواية، وكاتُبوه من أصبهان. واستُشْهد سائرُهم بسيفِ التتار الكَفَرة فِي هذا العام. ومَنْ سلم منهُمْ أضْمرَتْهُ البلاد وانقطعَ خبرُه. فسبحانَ وارثِ الأرضِ ومَنْ عليها ومُعيدِ من خُلقَ منه إليها.
ولقد كانَتْ أصبهان تكادُ أن تُضَاهي بغداد فِي عُلوِّ الإسناد فِي زمان أَبِي مُحَمَّد بْن فارس، والطَّبَرانيّ، وأَبِي الشَّيْخ. ثم كَانَ بعدهم طبقة أخرى في العلوّ وهم: أبو بكر ابن المُقرئ، وغيرُه. ثم طبقةُ أَبِي عبد اللَّه بْن مَنْدَه العَبْديّ، وأَبِي إِسْحَاق بْن خرشند قوله، وأبي جعفر ابن المَرْزُبان الأبهريّ، ثم طبقةُ أَبِي بَكْر بْن مَرْدُوَيْه، وأَبِي نُعَيْم. ثم طبقةُ ابْن رِيذَة، وأَبِي طاهر بْن عَبْد الرحيم، ورُواةِ أَبِي الشيخ. ثم طبقة أصحاب ابن المقرئ. ثم أصحاب ابن مَنْدَه. ثم طبقةُ مَنْ بعدَهم هكذا إلى أن سَلَّط اللَّه عليهم بذنوبهم العدوَّ الكافرَ ليكفَر عنْهُم ويعوّضهم بالآخرة الباقيةِ. فنسألُ الله العفو والعافية.
وأبو الوفاء محمد ابن مَنْدَه، هُوَ آخِرُ مَنْ روى الحديث- فيما علمت- من أهل بيتِه، وكان يُلقَبُ بجمالِ الدّين.