للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دارَ حديثٍ بحلبَ. وصنَّفَ كتاب «دلائل الأحكام» في أربع مجلّدات.

وحكى القاضي ابن خلّكان [١] ، أنَّ بعض أصحابه حدّثه قَالَ: سَمِعْتُ القاضي بهاء الدّين يَقُولُ: كُنَّا فِي النّظامية فاتّفق أربعةٌ من فقهائها أو خمسةٌ عَلَى شرب البَلاذُر، واشتَرَوا قَدَرًا- قَالَ لهم الطبيبُ- واستعملوه فِي مكانٍ، فَجُنُّوا، ونَفَروا إلى بَعْدِ أيّام وإذا واحدٌ منهم قد جَاءَ إلى المدرسةِ عُريانًا بادي العورة، وعَلَيْهِ بقيار كبير بعذبةٍ إلى كعبه، وهو ساكت مُصَمِّمٌ، فقامُ إِلَيْهِ فقيهٌ، وسألَه عن الحال، فقالَ: اجتمعْنا وشَربنا البّلاذُرَ فجُنَّ أصْحابي وسَلِمتُ أنا وحدي، وصارَ يُظهِرُ العقلَ العظيمَ، وهُمْ يَضحَكْونَ وهو لَا يَدْري.

وقال القاضي شمس الدّين ابن خلّكان [٢] : انحدر إلى بغدادَ، وأعادَ بها، ثم مضى إلى المَوْصِل، فدرَّسَ بالمدرسة التي أنشأها القاضي كمال الدّين ابن الشَّهْرَزُوري. وانتفعَ بِهِ جماعةٌ. ثم حجَّ سنةَ ثلاثٍ وثمانين وزارَ الشامَ، فاستحضرَهُ السُّلطان صلاحُ الدّين، وأكْرَمهُ، وسَألَهُ عن جُزء حديث ليسمع منه، فأخرج لَهُ «جُزءًا» فِيه أذكارٌ من «الْبُخَارِيّ» فقَرَأه عَلَيْهِ بنفسه. ثم جَمَعَ كتابا مُجَلَّدًا فِي فضائلِ الجهادِ وقَدَّمَهُ للسُّلطانِ، ولَازَمه فَولاه قضاء العَسْكر المنصور وقضاء القدس. وكانَ حاضرا موتَ صلاح الدّين. ثم خَدَمَ بعده ولدَه الملك الظّاهر، فولّاه قضاءَ مملكته، ونَظَر أوقافَها سنةَ نيفٍ وتسعين. ولم يُرْزَقْ ولدا، ولا كَانَ لَهُ أقاربُ. واتفقَ أنّ الملكَ الظاهرَ أقطَعَه إقطاعا يَحصُلُ لَهُ منها جُملةٌ كثيرةٌ، فَتصَمَّدَ لَهُ مالٌ كثيرٌ، فَعَمَّرَ منه مدرسة سنة إحدى وستمائة، ثم عَمَّرَ فِي جوارها دارَ حديث وبينَهما تُربة لَهُ.

قصدَهُ الطلبةُ واشتغلوا عَلَيْهِ للعلمِ والدّنيا. وصارَ المُشارَ إِلَيْهِ فِي تدبير الدّولة بحلبَ إلى أن كَبِرَ، واستولَتْ عَلَيْهِ البروداتُ والضَّعفُ، فكانَ يتمثلُ بهذا:

مَنْ يَتَمنَّ العُمْر فَلْيدَّرعْ ... صَبْرًا عَلَى فَقْد أحْبَابِه

ومَنْ يُعَمَّر يلق في نفسه ... ما يتمنّاه لأعدائه [٣]


[١] في وفيات الأعيان ٧/ ٩٤.
[٢] في وفيات الأعيان ٧/ ٨٦- ٨٧.
[٣] البيتان لأبي إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر المعروف بقاضي السلامية، ذكرهما ابن الشعار في