للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُوَ من شيمتي، ولا خلوتُ بغير محارمي، فخُذيها وانصرفي كريمة. فقامتْ باكية وهي تَقُولُ: صانَ اللَّه عاقبتَك كما صُنْتَني.

وحدّثني قَالَ: ماتَ لي مملوكٌ بالرُّها، وخَلَّف ولدا لم يكن فِي زمانه أحسنُ منه، وكان من لا يدري يتَهَّمني بِهِ، وكنت أُحبُّه، وهو عندي أعزُّ من الوَلَد، وبَلَغَ عشرين سنة، فضرب غلاما لَهُ فمات، فاستغاثَ أولياؤه وأثبتوا أَنَّهُ قتَلَه وجاءوا يطلبون الثَأرَ، فاجتمعَ عليهم مماليكي وقالوا: نَحْنُ نُعطيكم عشرَ دِيَاتٍ، فأبَوْا، فطردوهم فوقفوا لي، فقلتُ: سلّموه إليهم، فسلّموه فقتلوه. خِفْتُ اللَّه أن أمنعهم حقَّهم لغرض نفسي.

قال أبو المظفَّر [١] : وقضيَّته بحرانَ مشهورةٌ مَعَ أصحابِ الشَّيْخ حياة لمّا بَدَّدُوا المُسكر من بين يديه، وكان يَقُولُ: بها نُصِرتُ.

قَالَ أَبُو المظفَّر: لمّا فارَقْتُ دمشقَ وطلعت إلى الكرك، أقمت عند الناصر، فكُنْتُ أتردّدُ إلى القدس من سنة ستٍّ وعشرين إلى سنة ثلاثٍ وثلاثين. ثم جرت أسبابٌ أوجبت قُدومي دمشقَ، فسُرَّ بقدومي وزَارني وخَلَعَ عَلِيّ، فامتنعتُ من لُبسِها، فقال: لا باللَّه ألْبَسْها ولو ساعة، ليَعلَم الناسُ أنك قد رَضيتَ وزالت الوحشةُ. وبعث لي بغلَه الخاص وعشرَه آلاف درهم، وأقمتُ بدمشق- إلى أن تُوُفّي- فِي أرغدِ عيشٍ معه.

وحدّثني الفقيهُ مُحَمَّد اليُونيني قَالَ [٢] : حكى لي فقيرٌ صالح قَالَ: لمّا مات الأشرفُ رأيتُه فِي المنام وعليه ثيابٌ خُضْرٌ وهو يَطيرُ مَعَ الأولياءِ، فقلتُ: أيش تعملُ مَعَ هؤلاء وأنت كنتَ تفعلُ وتصنَعُ؟ فتبسَّمَ وقال: الجسدُ الّذِي كَانَ يفعلُ تِلكَ الأفاعيل عندَكم والروح التي كانت تُحِبُّ هؤلاء قد صارتْ معهم.

قَالَ: وقيل: إنّ هذه الأبياتَ من نظْمِه كتبَ بها إلى الْإمَام الناصر:

العبدُ موسى طوره لمّا غدا ... بغداد آنس عندها نار الهدى


[١] في مرآة الزمان: ٨/ ٧١٤.
[٢] مرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٧١٦.